فتاوى مخزية

فتاوى مخزية



خامئني يجيز النظر للمذيعات المتبرجات إذا كان البث غير مباشرسؤال


73: ما حكم النظر إلى السافرة في التلفاز سواء كان البث مباشراً أو غير مباشر وفي حالة كانت السافرة مسلمة أو غير مسلمة؟جواب: إذا كان البث غير مباشر فلا مانع من النظر الى السافرة بشرط عدم الريبة والشهوة وإذا كان البث مباشراً جاز النظر إلى السافرة غير المسلمة بالشرط المتقدم و أما المسلمة(الشيعية ) فلا يجوز النظر إلى ما عدا الوجه والكفين مطلقاً على الأحوط .


الشيرازي يجيز التمتع بالراقصات ولنساء الشيعة مثل ذلك


المسألة 15: يجوز التمتع بملكات الجمال ونجوم السينما والراقصات كما يجوز العكس بأن تتمتع المرأة بملك الجمال ونجم السينما والراقص، لكن يجب أن يكون ذلك في الإطار الإسلامي المذكور في كتب الفقه. لإطلاق أدلة النكاح بقسميه، أما الخروج عن ذلك كما يعتاد في بلاد الغرب ونحوها فهو محرم بلا إشكال.


الخوئي يجيز النظر للصور الخلاعية !!


السؤال 1164 : هل يجوز النظر إلى صور الخلاعة قصدا إذا لم يحدث أي شهوة ؟الجواب : إذا لم يكن مثيرًا للشهوة كما هو المفروض في السؤال جاز والله العالم . انظر كتاب صراط النجاة 2/377


الخوئي يفتي بجواز إعطاء صور نساء متكاشفات للمصورين


السؤال876: هل يجوز إعطاء فلم للتحميض لإخراج الصور علماً بأن هذا الفلم يحتوى على صور نساء محجبات في حالة التكشف للرجال الأجانب غير المحارم لتظهيره ؟الجواب: نعم يجوز ذلك ولا بأس به إذا لم يعرف من يقوم بالتحميض لصور النساء المذكورة !! انظر كتاب صراط النجاة 1/ 322


السيستاني يجيز مشاهدة الأفلام الجنسية والاحتفاظ بها غير محرم


السؤال: هل يجوز النظر إلى الأفلام الجنسية وهل يحرم الاحتفاظ بتلك الأفلام في البيت أو المحل ؟الجواب : الاحتفاظ بالأفلام الجنسية وإن لم يكن محرماً ولكن الأحوط وجوباً عدم النظر إليها،وما ذكر لا يبرره.


المصدر : كتاب منهاج الصالحين(عفوا الفاسدين)

القلائد


للاعلان يرجاء الاتصال على البريد al-qalaeed@hotmail.com

حينما .. يحل الظلام مشرعا غياهبه على الآفاق و يبيت الناس .. يدركون الفتن و المصائب تأتي القلائد .. لتكون قلادة تنير الطريق بهدى و بريق .. لدرب طويلal-qalaeed@hotmail.com

هناء >>>>>>>http://audio.islamweb.net/audio/listenbox.php?audioid=8845&type=ram
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ















ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا تكن إمعة / لاتتقمص شخصية غيرك ولاتذب في الاخرين. إن هذا هو العذاب الدائم ، وكثير هم الذين ينسون أنفسهم وأصواتهم وحركاتهم ، وكلامهم ، ومواهبهم ، وظروفهم ، لينصهروا في شخصيات الاخرين ، فإذا التكلف والصلف ، والاحتراق ، والإعدام للكيان وللذات.
من ادم إلى اخر الخليقة لم يتفق اثنان في صورة واحدة ، فلماذا يتفقون في المواهب والأخلاق.
أنت شيء اخر لم يسبق لك في التاريخ هثال ولن ياتي مثلك في الدنيا شبيه.
أنت مختلف تمامأ عن زيد وعمرو فلا تحشر نفسك في سرداب التقليد والمحاكاة والذوبان.

انطلق على هيئتك وسجيتك { قد علم كل اناس مشربهم } ، { ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات } عش كما خلقت لا تغير صوتك ، لاتبدل نبرتك ، لاتخالف مشيتك ، هذب نفسك بالوحي ، ولكن لا تلغي وجودك وتقتل استقلالك.
أنت لك طعم خاص ولون خاص ونريدك أنت بلونك هذا وطعمك هذا ، لأنك خلقت هكذا وعرفناك هكذا ("لا يكن أحدكم إمعة").
إن الناس في طبائعهم أشبه بعالم الأشجار : حلو وحامض ، وطويل وقصير ، وهكذا فليكونوا. فإن كنت كالموز فلا تتحول إلى سفرجل ، لأن جمالك وقيمتك أن تكون موزأ ، إن اختلاف ألواننا وألسنتنا ومواهبنا وقدراتنا اية من ايات الباري فلا تجحد اياته

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وترقبو المفاجة في الاسواق شريط العمامة
العمامة افيون الصفوية











مع تحيات ابو حسين

الإمامة.. قضية سياسية أفسدت عقيدة الشيعة


الإمامة.. قضية سياسية أفسدت عقيدة الشيعة


يعرف ابن خلدون في مقدمته، الإمامة، بقوله: (هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها، إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة، فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به).
وقد أخذت الإمامة معنى اصطلاحيًا إسلاميًا، فقصد بالإمام: خليفة المسلمين وحاكمهم، وتوصف الإمامة أحيانًا بالإمامة العظمى أو الكبرى تمييزًا لها عن الإمامة في الصلاة، على أن الإمامة إذا أطلقت فإنها توجه إلى الإمامة الكبرى أو العامة.
وقد فرق العلماء بين الخلافة والملك، فيقول ابن خلدون في المقدمة: (إن الملك الطبيعي هو حمل الكافة على مقتضى الغرض والشهوة، والسياسي هو حمل الكاف على مقتضى النظر العقلي في جلب المصالح الدنيوية ودفع المضار، والخلافة هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها).
الإمامة والحكم في الإسلام وسيلة لا غاية، وسيلة إلى مقاصد معينة يستطيع الإمام بما له من صلاحيات خاصة أن يحقق ويبلغ ما يعجز عن بلوغه آحاد المسلمين.
وجماع هذه المقاصد هو إقامة أمر الله عز وجل في الأرض على الوجه الذي شرع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الأمر بكل معروف ونشر الخير والرفع من قدره، والنهي عن كل منكر والقضاء على كل فساد والحطَّ من شأنه وأهله، وهذا هو الهدف والمقصد الأساسي للإمامة في الإسلام.
واتفق جميع أهل السنة على وجوب الإمامة، وأن الأمة واجب عليها الانقياد لإمام عادل، يقيم فيهم أحكام الله، ويسوسهم بأحكام الشريعة التي أتى بها رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
ثبوت الإمامة ووجوبها مقرر عند أهل السنة، الاختلاف هو في نوعية هذا الوجوب؟ ومن المكلف بإقامته، هل هو فرض عين واجب على كل مسلم ومسلمة أو فرض كفاية؟ وعلى هذه التساؤلات يجيب علماء السنة وفقهاؤها.
يقول القاضي أبو يعلى: (وهي فرض على الكفاية، مخاطب بها طائفتان من الناس، إحداهما: أهل الاجتهاد حتى يختاروا، والثانية: من يوجد فيه شرائط الإمامة حتى ينتصب أحدهم للإمامة) الأحكام السلطانية لأبي يعلى: ص 19.
ويقول الماوردي الشافعي: (فإذا ثبت وجوبها ففرضها على الكفاية كالجهاد وطلب العلم، فإذا قام بها من هو من أهلها سقط ففرضها على الكفاية، وإن لم يقم بها أحد خرج من الناس فريقان: أحدهما أهل الاختيار حتى يختاروا إمامًا للأمة، والثاني: أهل الإمامة حتى ينتصب أحدهما للإمامة، وليس على من عدا هذين الفريقين من الأمة في تأخير الإمامة حرج ولا مأثم، وإذا تميز هذان الفريقان من الأمة في فرض الإمامة وجب أن يعتبر كل فريق منهما بالشروط المعتبرة فيه) الأحكام السلطانية للماوردي: ص 5 ، 6.

ويقول النووي: (تولي الإمامة فرض كفاية ، فإن لم يكن من يصلح إلا واحد تعين عليه ، ولزمه طلبها إن لم يبتدؤه، هذا إذا كان الدافع له الحرص على مصلحة المسلمين ، وإلا فإن من شروط الإمام ألا يطلبها لنفسه كما سيأتي في الشروط) روضة الطالبين :10/43.
أما وظيفة الإمام عند الشيعة، فتتجاوز الوظيفة السياسية والقيادة الدنيوية كما هي وظيفته في منظور أهل السنة، بل هي استمرار للنبوة، ووظيفة الإمام عندهم كوظيفة النبي، وصفاته كصفاته، وتعيين الإمام كتعيين النبي لا يتم إلا باختيار إلهي. لذلك أوردوا روايات تصف أئمتهم بكل صفات الكمال التي في الرسل والأنبياء، فلا فرق عندهم بين الإمام والنبي، حتى قال الخميني: "وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقامًا محمودًا لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل".
والإمامة، عند الشيعة، كالنبوة لا تكون إلا بالنص من الله تعالى على لسان رسوله أو لسان الإمام المنصوب بالنص إذا أراد أن ينص على الإمام من بعده، وحكمها في ذلك حكم النبوة بلا فرق، فليس للناس أن يتحكموا فيمن يعينه الله هاديا ومرشدا لعامة البشر، كما ليس لهم حق تعيينه أو ترشيحه أو انتخابه.
والإمامة عند الشيعة هي زعامة ورئاسة إلهية عامة على جميع الناس ، وهي أصل من أصول الدين لا يتم الإيمان إلا بالاعتقاد بها، إذ لابد أن يكون لكل عصر إمام وهاديا للناس، يخلف النبي – صلى الله عليه وسلم- في وظائفه ومسئولياته، ويتمكن الناس من الرجوع إليه في أمور دينهم و دنياهم، بغية إرشادهم إلى ما فيه خيرهم و صلاحهم.
والإمام طبقا للمفهوم الشيعي واجب العصمة واجب الطاعة والإمامة لا تكون إلا بالنص من الله على لسان النبي أو لسان الإمام الذي قبله، وليست هي بالاختيار والانتخاب من قبل الناس.
ومن النصوص الشيعية في هذا الأمر: "عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليه السلام قال: نزل جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا محمد السلام يقرئك السلام، ويقول: خلقت السماوات السبع وما فيهن، والأرضين السبع وما عليهن، وما خلقت موضعا أعظم من الركن والمقام، ولو أن عبدا دعاني منذ خلقت السماوات والأرضين ثم لقيني جاحدا لولاية علي لأكببته في سقر".
والشيعة بكل تجرؤ وتبحج يضيفون لقواعد الإسلام قاعدة جديدة وهي الإمامة، وكأن القرآن لم يعرض لهذه المسألة التي يتوقف عليها قبول الأعمال عند الله كما يدعون، وكأنه لم يذكر لنا هذا الركن الأساسي ويبينه ويفصله كسائر الأركان.
والإمامة، كما يراها الشيعة، ثابتة بنص من الرسول صلى الله عليه وآله ومختصة بالأئمة الاثني عشر من أهل البيت، وأن معرفة أحكام الإسلام بعد رحيل الرسول صلى الله عليه وآله يكون بالرجوع إلى هؤلاء الأئمة أو إلى الصحيح مما روي عنهم، وإذا تعارض قولهم مع قول غيرهم فإنه يجب الأخذ بقولهم بوصفهم الخزانة الأمينة لسنة المصطفى صلى الله عليه وآله.
ومن النصوص الشيعية المعتبرة أيضًا: عن أبي جعفر قال: " بني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية، قال زرارة: فقلت: وأي شيء من ذلك أفضل؟ فقال:" الولاية أفضل " … " أما لو أن رجلاً قام ليله وصام نهاره وتصدق بجميع ماله وحج جميع دهره ولم يعرف ولاية الله فيواليه ويكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على الله جل وعز حق في ثوابه ولا كان من أهل الإيمان " ( الكافي 2/16 كتاب الإيمان والكفر باب دعائم الإسلام)."
تأمل هذه الرواية التي هي من الروايات الأساسية التي تقوم عليها هذه العقيدة، وقد حذفت الشهادتين وأحلت محلهما الولاية. قمن أظلم ممن حذف الشهادتين ليضع مكانها ولاية أهل البيت التي جعلوها كذلك أفضل من الصلاة والصوم والزكاة والحج.
الشيعة، إذًا، حسب مذهبهم العجيب يقررون أن الإمامة ينبغي أن تنحصر في آل بيت النبوة، ثم يحصرونها بعد ذلك في اثني عشر منهم فقط دون دليل مخصِّص.
و يستدلون على مذهبهم في الإمامة بقول النبي عليه الصلاة والسلام لعلي رضي الله عنه : "أنت مني بمنزلة هارون من موسى" مع أن الحديث هو من أكبر الحجج عليهم لأن هارون لم يتولَّ أمر بني إسرائيل بعد موسى لكونه مات قبله، والذي خلف موسى هو يوشع بن نون وليس هارون.
ثم إنَّ معنى الحديث يتبيَّن من سبب وروده ، قال أبو بكر بن أبي شيبة في مصنَّفه: (حدثنا غندر عن شعبة عن الحكم عن مصعب بن سعد عن سعد بن أبي وقاص قال: خلَّف رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ بن أبي طالب في غزوة تبوك فقال: يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان, فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي).
فظاهرٌ أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد تطييب خاطر علي رضي الله عنه بإخباره أنَّ حاله تلك ـ حين خلَّفه الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة ـ شبيهة بحال هارون عندما استخلفه موسى عليهما السلام لمَّا ذهب إلى ميعاد ربه، ووجه الشبه بينهما هو الاستخلاف.
مع أن النبي عليه الصلاة والسلام استخلف عددا من الصحابة:
فاستخلف " سعد بن عبادة " رضي الله عنه في غزوة " الأبواء ".
واستخلف " أبا سلمة بن عبد الأسد " رضي الله عنه في غزوة " العشيرة ".
واستخلف " زيد بن حارثة " رضي الله عنه في غزوة " بدر الأولى ".
واستخلف " بشير بن عبد المنذر أبا لبابة " رضي الله عنه في غزوتي " بني قينقاع" و"السويق ".
واستخلف " عثمان بن عفان " رضي الله عنه في غزوة " غطفان ".
واستخلف " ابن أم مكتوم " رضي الله عنه في غزوة " نجران " وتسمى غزوة " بني سليم ".
واستخلف " ابن أم مكتوم " رضي الله عنه في غزوة " حمراء الأسد ".
لكن هذه العقيدة الشيعية تتعارض مع كلام علي بن أبي طالب الوارد في نهج البلاغة بهذا النص:
عن علي رضي الله عنه أنه قال « وإنه لا بد للناس من أمير بر أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل، ويجمع به الفيء، ويقاتل به العدو، وتؤمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي حتى يستريح به بر ويستراح من فاجر».
عامة الشيعة لا ينتبهون إلى هذه العقيدة المركبة من قبل علمائهم والتي تنطوي في الحقيقة على التسلط والديكتاتورية ولكن عن طريق الخدعة حيث يجعلون الإمام عندهم يخاف من الاعتراض على أي قرار يتخذه من يسمي نفسه سيدا. وبهذه الدعوى يمكن قمع أي اعتراض يمكن أن يتوجه به أحد من الناس إليهم. ومن رأى من الإمام خطأ فعليه أن يخطئ نفسه ويتهمها لأن الإمام لا يتصور فيه الخطأ وإنما يتصور الخطأ من عامة الناس.

لما رأوا الخطأ من الإمام اتهموا أنفسهم بأنهم هم المخطئون!!!
وهكذا يتم بسط سلطان الكرسي (الإمامي) على نسق الكرسي البابوي الذي يزعم أنه ممثل الله على الأرض وأن الراد على البابا كالراد على الله.
وهؤلاء يقولون الراد على الإمام كالراد على الله، يعني يصير عندهم بمنزلة إبليس الذي رد على الله!!!
حينئذ بنى الرافضة عقيدتهم على ضرورة عصمة الإمام وأن من لم يكن معصوما لا يكون إماما، ولهذا زعموا أن أبا بكر وعمر وعثمان وغيرهم لا يستحقونها لأنهم غير معصومين، ثم يرد في كتب الشيعة ما يهدم عقيدتهم من أساسها.

هل باتت ولاية الفقيه في إيران على كف عفريت؟!



هل باتت ولاية الفقيه في إيران على كف عفريت؟!


الصراع الحالي في إيران ليس صراعا بين تيارين أيديولوجيين متعارضين أحدهما يحمل فكرا غربيا منفتحا معارضا للثورة " الإصلاحيين" وآخر يحمل فكرا إسلاميا شيعيا منغلقا وكل همه الحفاظ على هذه الثورة " المحافظين "، كون المشرب واحد والسيرة واحدة لكلا الفريقين المتنازعين.
فالفريقان تخرجا من مدرسة فكرية واحدة، ويحملان نفس الفكر والعقيدة، وكلاهما يزايد على الآخر من حيث التمسك بأفكار الثورة الخمينية، والأمن القومي، واستقرار الجمهورية "الإسلامية" وعمودها الفقري "ولاية الفقيه"، ويرفع شعار رفاهية الشعب الإيراني، وكلاهما يسعي نحو إيران قوية سياسيا واقتصاديا وعسكريا ونوويا. وبمعنى آخر فإن الطرفين المتصارعين هما وجهان لعملة واحدة، والصراع بينهما هو من قبيل " صراع العقارب " -كما شبهت ذلك المعارضة الإيرانية في الخارج، ويأتي ذلك الصراع في إطار الاحتجاج على استئثار أحد الأطراف بقيادة الدولة الإيرانية- وهو هنا المرشد العام علي خامنئي- دون غيره، وأيضا في إطار التنافس حول من هو الأكفأ لتحقيق الأهداف التي قامت من أجلها ثورة الخميني.

جذور الأزمة الإيرانية

وصل علي خامنئي إلى موقع مرشد الجمهورية " الإسلامية " أعلى منصب رسمي في إيران، بعد وفاة قائد الثورة ومؤسس الجمهورية الإيرانية الحالية، آية الله الخميني عام 1989.
وقد تم تعيينه في هذا المنصب من خلال وصية مثيرة للجدل نسبت للإمام الخميني، باعتباره الولي الفقيه نائب الإمام الغائب المعصوم، الذي اختفى في سرداب سامراء في القرن الثالث الهجري، رغم كون خامنئي، عشية وفاة الخميني لم يكن جامعا للشرائط التي تصبغ عليه صفة المجتهد أو المرجع، أي لم يكن من ثم هو الأحق بمنصب الولي الفقيه، لكنها السياسة هي التي جاءت به تحت عنوان الشرعية الثورية، التي حكمت إيران. وهكذا أعطي خامنئي صفة المرشد، ولم يكن ممكنًا تسميته مرجعًا، فلكل من هذين الموقعين مواصفات مختلفة.
ويعتقد كثيرون في النظام الإيراني أن انتساب السيد علي خامنئي إلى آل البيت هو الذي أهّله لأن يكون خليفة للإمام الخميني عام 1989 (عمة سوداء)، رغم وجود العشرات من الفقهاء الأكثر منه علماً واجتهاداً وتقليداً ومرجعية، في إيران آنذاك، كالشيخ حسين منتظري، وأيضا الأبرز منه سياسياً وجماهيرياً وقرباً من الإمام الخميني كالشيخ هاشمي رفسنجاني.
وفضلا عن ذلك، وعلى الرغم من أن علي خامنئي كان أحد العلماء الذين أعتمد عليهم آية الله الخميني في الوصول إلى السلطة عام 1979، ورغم كونه عند توليه منصب المرشد لم يكن بعيدا عن السلطة وشئون الحكم، إذ سبق له أن تولى منصب رئاسة الجمهورية لفترتين رئاسيتين متتاليتين في حياة خميني ( 1981 - 1989)، فإن شخصية علي خامنئي المرشد الجديد، لم تكن مثل شخصية الإمام آية الله الخميني، ولم يكن يملك كاريزما آية الله الخميني وقوته للسيطرة على المؤسسة الدينية، وهو لهذا وذاك قد اعتمد على كل من وزارة المخابرات والحرس الثوري. وفي نفس الوقت أقام بيروقراطية قوية موالية له يتحكم من خلالها في كافة مفاصل أجهزة الدولة ومؤسساتها.
وللحفاظ على السلطة عمل هذا المرشد على أحدث توازن بين الحرس الثوري ووزارة المخابرات، ليعطي ثقلا للمؤسسات الأمنية، وأضفى على الحرس الثوري ووزارة المخابرات قوة تمتد إلى خارج المؤسستين. وادخلهما في العملية السياسية والاقتصادية، ليشكلا قاعدة قوية للمنافسة. فالحرس الثوري يشرف على المشروع النووي وصناعة الصواريخ، ولديه بنوك وشركات نفط ومؤسسات أشغال عامة ومؤسسات خيرية، تعمل داخل إيران وخارجها.


رئيس مناسب للمرشد

وقد نجح المرشد علي خامنئي في قيادة إيران إلى بر الأمان بعد وفاة خميني، إلا أن هذا التطور الجديد -وهو هيمنة خامنئي على الشرطة وعلى مؤسسات القرار مثل مجلس صيانة الدستور وعلى رئاسة البرلمان وإعطائه دور أكبر للمؤسسة العسكرية في الحياة العامة وخاصة الحرس الثوري- قد ساهم شيئا فشيئا من إثارة هواجس القيادات الدينية والسياسية في إيران من تحول هذا الجهاز الأمني، إلى جهاز شبيه بجهاز الشاباك في العهد الشاهنشاهي، ومن رحم هذه الهواجس -وهواجس أخرى غيرها- خرج ما يسمى بـ " التيار الإصلاحي"، الذي تزعمه محمد خاتمي الرئيس الإيراني السابق، وهو حجة الإسلام وابن أحد الآيات وأحد الذين شاركوا في الثورة وكان مرضيا عنه أيام الخميني حيث عينه وزيرا للثقافة والتوجيه الإسلامي عام 1982 -وهو بالمناسبة زوج ابنة الإمام الخميني.
ولمواجهة تنامي قوة وشعبية هذا التيار الإصلاحي المعارض في إيران ومطالبة زعمائه بتفعيل دور رئيس الجمهورية المنتخب، وبزيادة صلاحياته، خاصة بعد تجربة زعيم التيار الإصلاحي (محمد خاتمي) في رئاسة الجمهورية لفترتين متتاليتين مدة كل منهما أربع سنوات (1997- 2004) دون أن يكون له صلاحيات حقيقية تعكس مركز ومكانة هذا المنصب الكبير الذي يعتبر من يشغله هو الرجل الثاني في إيران -نظريا على الأقل- بعد المرشد العام، فقد سعى المرشد العام للجمهورية الإيرانية لكي يقطع الطريق عليهم، إلى السيطرة على رئاسة الجمهورية التي يطمح الإصلاحيون في الاستئثار بها ومن ثم الوقوف من خلالها في وجه قوة المرشد.
ووفقا للتوجه الجديد من قبل المرشد فقد أريد لمن يتولى منصب رئاسة الجمهورية، أن يكون منسجما مع المرشد العام، إن لم يكن أداة طيعة بيده، ولكن بما يحقق طموح ورغبة من يقبل أن يكون كذلك من عشاق السلطة والسياسة، وذلك طبقا لنظرية " الرجل المناسب لي في المكان المناسب له". وهي نظرية مألوفة ومطبقة في الكثير من البلدان ذات الأنظمة المستبدة سواء كانت ملكية أو جمهورية وخاصة في منطقتنا العربية.
وهذا ما تجسد بالفعل من خلال الرئيس أحمدي نجاد الذي وصل إلى سدة الحكم بدعم من علي خامنئي والحرس الثوري بانتخابات "مدبرة" أجريت في العام 2005، بإشراف أجهزة ومؤسسات سلطوية تخضع مباشرة للتيار المحافظ، وأعيد انتخابه بدعم من المرشد والحرس الثوري أيضا في 12يونيو2009، والتي كانت نتائجها سببا رئيسيا للأحداث الجارية في إيران في الوقت الراهن.

ترسيخ الديكتاتورية العسكرية

وكان أحمدي نجاد بعد أن تولى مقاليد الرئاسة في إيران قد أعطى دور أكبر للمؤسسة العسكرية، وخاصة الحرس الثوري، حامي حمى الثورة الإيرانية، والحارس الأمين عليها، والمنوط به تصديرها، وعصب النظام الحالي بملايين المسلحين وأحدث الأسلحة، فعزز نجاد من سيطرة هذا الجهاز أمنيا واقتصاديا، وامتدت هذه السيطرة لتشمل كل مواقع القرار والسلطة في إيران، تحت شعار "أحياء الثورة الخمينية" والعودة إلى إستراتيجية تصديرها للخارج، وذلك على حساب نفوذ المؤسسة الدينية، الأمر الذي جعل هذا الجهاز الأمني يكثف من نشاطاته العسكرية، بل وينخرط في الأنشطة التجارية، وبيع النفط لحسابه وشراء كل شيء لحسابه، وبيعها في الأسواق، في السنوات الماضية، وذلك من أجل أن يلبي الإنفاق الضخم على برامجه التسلحية وصناعة الصواريخ. إلى جانب تلبية نفقات الاستعراضات العسكرية وتجارب الصواريخ التي تحمل أسماء لها دلالات دينية، والتي هي أساسا رسالة موجهة للداخل والخارج، مفادها خلق انطباع بأن هذه القوة العسكرية الإيرانية تتطور بشكل لم يسبق له مثيل.
وما يجري حاليا في إيران من مظاهرات وأعمال شغب على خلفية نتائج الانتخابات الإيرانية التي جرت مؤخرا، ليست معارضة لنظام الثورة، ولا من اجل المطالبة بحريات اكبر وانفتاح على دول الجوار الإقليمي، وبرامج سياسية مختلفة داخليا وخارجيا. وهي ليست موجهة ضد الرئيس أحمدي نجاد بذاته، وإن كانت الانتقادات والكلمات البذيئة موجهة لأم رأسه، فأحمدي نجاد، إنما يتحرك في الخط الذي رسمه له المرشد العام. وهجوم نجاد على رفسنجاني مؤخرا واتهامه وعائلته بعدم النزاهة أمام وسائل الإعلام، تم بموافقة مرشد الجمهورية علي خامنئي.
وعلى ذلك يمكن القول أن الاحتجاجات الحالية موجهة ضد المرشد أو الولي الفقيه، أكبر رأس في الجمهورية الإيرانية والقابض -أمنيا وبيروقراطيا- على أَزِمَّة السلطة الحقيقية فيها.
وقد أكد المرشح الخاسر محسن رضائي، القائد الأسبق لحرس الثورة، الذي سحب شكواه بخصوص نتائج الانتخابات أن ما يجري لم يعد قضية انتخابات رئاسية، إنما هو أبعد من ذلك بكثير، في إشارة مباشرة إلى أن المقصود هو موقع «الولي الفقيه»، وأن نتائج الانتخابات ما هي إلا واجهة لمعركة أكبر يحركها الإصلاحيون ضد التيار المحافظ.
ولكون رضائي محسوب على المحافظين، ولم يكن دخوله الانتخابات الرئاسية بهدف الفوز، وإنما بهدف تشتيت الأصوات على مير حسين موسوي، كما قال المحللون السياسيون، فقد رأى البعض أن هذا التصريح يأتي في إطار الخطاب الإعلامي الرسمي لمواجهة الأزمة القائمة، ولتبرير قمع المظاهرات والبطش بالجماهير من قبل الحرس الثوري. هذا الجهاز الأمني الرهيب الذي خرج من موقعه كقوة لحماية النظام، تحت شعار حماية الجمهورية ومبادئ الثورة الإسلامية.


صراع الأخوة الأعداء

ذلك أن الخلاف الحقيقي هو بين علي أكبر هاشمي رافسنجاني رئيس مجلس الخبراء، الممثل للصف الديني، وبين قيادة الجمهورية الإسلامية التي يمثلها المرشد علي خامنئي، المستند إلى قوة المؤسسة العسكرية والأمنية الضاربة. وهو الخلاف الذي بدأ منذ وصول نجاد إلى السلطة في عام 2005، متغلّباً على رفسنجاني المنافس الرئيسي في تلك الانتخابات، بعد حصول نجاد على دعم وتأييد المرشد، الذي كان قد مل من قوة هاشمي رافسنجاني، وكان ترجيحه لكفة نجاد في منصب رئاسة الجمهورية على حساب رفسنجاني الذي يدعي الفضل عليه، صفعة قاسية لهذا الأخير، ومفاجأة مدوية ما زالت آثارها تتفاعل حتى اليوم.
ويرى المحللون أن هاشمي رفسنجاني هو الذي أعطى الضوء الأخضر للإصلاحيين لتحدي المرشد الأعلى، أي لتجاوز أحد أهم الخطوط الحمراء التي كانت مقدسة في السابق في إيران، لتأخذ المعركة التي كانت خفية بينهما طابعا علنيا مكشوفا، لم يعرف له مثيل من قبل.
فرفنسنجاني المعروف بانتهازيته وبنظرته البراجماتية، والذي ركب موجة الشارع الإيراني الثائر وتحالف مع كبار الإصلاحيين، وهو المعتبر من المحافظين - يسعى بما يملكه من قدرات مالية ونفوذ سياسي يتمثّل في رئاسته لكل من مجلس خبراء القيادة، ومجلس تشخيص مصلحة النظام، وهما من أهم مؤسسات الدولة والنظام السياسي، في إيران، يسعى لتحجيم مكانة المرشد وتهميش دوره، -دون إزاحته من الواجهة بطبيعة الحال- وذلك بالتعاون مع بعض الآيات ورجال الدين في المؤسسة الدينية وخاصة في "حوزة قم" بما تملكه من ثقل روحي ومعنوي، والتي نجح فريق رفسنجاني -موسوي- خاتمي، في اختراقها، وفي استمالة مرجعيات كبرى فيها مثل آية الله منتظري وصانعي، وغلبا كياني، وزنجاني، والذين تم تأليبهم من خطر لجوء خامنئي إلى العسكر الذين سيسيطرون على الثورة الإسلامية مباشرة. وهذا إضافة إلى انضمام الخاسرين الآخرين وخاصة مهدي كروبي إلى المنددين بنتائج الانتخابات. بل وصلت الاختراقات -وإن في نطاق محدود جدا- إلى الحرس الثوري ذاته، وهو المصنع الذي أنتج كل من مير حسين موسوي واحمدي نجاد، اللذَيْن تنافسا على منصب رئاسة الجمهورية في الانتخابات الأخيرة.


رأس خامنئي على المحكّ

واتهم مير حسين موسوي المعترض على فشله في الانتخابات اتهم المرشد الأعلى، من دون أن يسميه، بتهديد أسس الجمهورية الإسلامية، والعمل على فرض نظام سياسي جديد، وهو انتقاد لم تجرؤ أي شخصية سياسية من قبل على توجيهه الى خامنئي.
وفي الوقت نفسه فإن المرشد علي خامنئي الذي يعتبر القوة الرئيسية في البلاد والذي يعتبر عمليا المشرف الأكبر على الجيش والشرطة والحرس والباسيج وأنصار "حزب الله" والقضاء والإذاعة والتلفزيون، يسعى -وأيضا بمساعدة بعض الآيات وعلى رأسهم آية الله مصباح اليزدي، الأب الروحي لأحمدي نجاد، والمتطلع لوراثة خامنئي- يسعى لتعزيز دور المرشد العام كقطب في نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وعدم المس بصلاحياته، ولو أدى ذلك إلى الارتماء أكثر فأكثر في أحضان المؤسسة العسكرية والأمنية وخاصة الحرس الثوري، وذلك كتعويض عن ابتعاد المؤسسات الدينية عنه. الأمر الذي يشير إلى أن الحرس الثوري سيكون هو المستفيد الأكبر من وراء هذه الأحداث في نهاية المطاف. كونها قد خلقت -وستخلق- أوضاعا تسمح له بأن يضع يده على مقدرات الدولة ومؤسساتها، وان تكون له الكلمة النهائية.
ويرى المطلعون العارفون بالشأن الإيراني أن الأزمة القائمة في إيران في الوقت الراهن لن تنتهي إلا بسقوط واحد من أكبر شخصيتين في الجمهورية الإيرانية يكنان لبعضهما عداء شديدا. وهما علي خامنئي، وعلى أكبر رفسنجاني اللذان أوكل إليهما الإمام الخميني قبل موته أمانة المحافظة على الجمهورية الإسلامية، وأوصاهما بالتعاون مع بعضهما وعدم الاختلاف.
وإذا تراجع على خامنئي المرشد العام للجمهورية الإيرانية أمام الضغوط الشعبية التي تحركها المعارضة، والمطالبة بإعادة الانتخابات، فإن هذا سيكون انتصارا لرفنسنجاني ومنتظري، وسيكون في هذا التراجع نهاية لخامنئي، وقد يضطر بعدها للاستقالة وخسارة البيعة. وبإمكان مجلس الخبراء -وهو المؤسسة الدستورية المخولة بانتخاب وتعيين وعزل المرشد الأعلى- الإطاحة به، وبخاصة أن هاشمي رفسنجاني يترأس هذا المجلس ويسيطر على ثلث أعضائه الثمانين.
وسواء أطيح بخامنئي أو رفسنجاني فعلى الأمة أن لا تتوقع خيرا من وراء ما يجري في إيران من قبيل رفع ويلات الظلم والبطش عن أهل السنة في إيران، والكف عن التأمر على الجهاد والمجاهدين في العراق وأفغانستان، والامتناع عن تصدير التشيع إلى المنطقة.
وإذا كان سيكون هناك من تأثير لذلك الصراع فسيكون في عرقلة تلك المشاريع الإيرانية المشبوهة وإرباكها بصورة مؤقتة أي في الأجل القصير فقط. والأهم من ذلك هو أن تراهن الأمة على تغيير ذاتها وواقعها لما هو أحسن.
المصدر: مجلات، مواقع الكترونية، قنوات فضائية.

مقتل الحسين رضي الله عنه

مقتل الحسين رضي الله عنه

كثر الكلام حول مقتل الشهيد السعيد السيد السبط الحسين بن علي (عليه السلام) فطلب مني بعض الأخوان أن أذكر القصة الصحيحة التي أثبتها الثقات من أهل العلم ودونوها في كتبهم فأجبتهم ما يلي:
كثر الكلام حول مقتل الشهيد السعيد السيد السبط الحسين بن علي (عليه السلام) فطلب مني بعض الأخوان أن أذكر القصة الصحيحة التي أثبتها الثقات من أهل العلم ودونوها في كتبهم فأجبتهم ما يلي:
بلغ أهل العراق أن الحسين لم يبايع ليزيد بن معاوية وذلك سنة 60 هـ فأرسلوا إليه الرسل والكتب يدعونه فيها إلى البيعة، وذلك أنهم لا يريدون يزيد ولا أباه ولا عثمان ولا عمر ولا أبا بكر إنهم لا يريدون إلا علياً وأولاده وبلغت الكتب التي وصلت إلى الحسين أكثر من خمسمائة كتاب. عند ذلك أرسل الحسين (عليه السلام) ابن عمه مسلم بن عقيل ليتقصى الأمور ويتعرف على حقيقة البيعة وجليتها، فلما وصل مسلم إلى الكوفة تيقن أن الناس يريدون الحسين فبايعه الناس على بيعة الحسين وذلك في دار هانئ بن عروة ولما بلغ الأمر يزيد بن معاوية في الشام أرسل إلى عبيدالله بن زياد والي البصرة ليعالج هذه القضية ويمنع أهل الكوفة من الخروج عليه مع الحسين (عليه السلام) فدخل عبيدالله بن زياد إلى الكوفة وأخذ يتحرى الأمر ويسأل حتى علم أن دار هانئ بن عروة هي مقر مسلم بن عقيل وفيها تتم المبايعة. فأرسل إلى هانئ بن عروة وسأله عن مسلم بعد أن بيّن له أنه قد علم بكل شيء، قال هانئ بن عروة قولته المشهورة التي تدل على شجاعته وحسن جواره: والله لو كان تحت قدمي هاتين ما رفعتها فضربه عبيدالله بن زياد وأمر بحبسه.
فلما بلغ الخبر مسلم بن عقيل خرج على عبيدالله بن زياد وحاصر قصره بأربعة آلاف من مؤيديه وذلك في الظهيرة.
فقام فيهم عبيد الله بن زياد وخوفهم بجيش من الشام ورغبهم ورهبهم فصاروا ينصرفون عنه حتى لم يبق معه إلا ثلاثون رجلاً فقط. وما غابت الشمس إلا ومسلم بن عقيل وحده ليس معه أحد.
فقبض عليه وأمر عبيد الله بن زياد بقتله فطلب منه مسلم أن يرسل رسالة إلى الحسين فأذن عبيدالله وهذا نص رسالته: ارجع بأهلك ولا يغرنك أهل الكوفة فإن أهل الكوفة قد كذبوك وكذبوني وليس لكاذب رأي.
ثم أمر عبيد الله بقتل مسلم بن عقيل وذلك في يوم عرفة وكان مسلم بن عقيل قد أرسل إلى الحسين (عليه السلام) أن أقدم فخرج الحسين من مكة يوم التروية وحاول منعه كثير من الصحابة ونصحوه بعدم الخروج مثل ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبي سعيد الخدري وابن عمرو وأخيه محمد بن الحنفية وغيرهم فهذا أبو سعيد الخدري يقول له: يا أبا عبدالله إني لك ناصح وإني عليكم مشفق قد بلغني أن قد كاتبكم قوم من شيعتكم بالكوفة يدعونك إلى الخروج إليهم فلا تخرج إليهم فإني سمعت أباك يقول في الكوفة: والله قد مللتهم وأبغضتهم وملوني وأبغضوني وما يكون منهم وفاء قط ومن فاز بهم بالسهم الأخيب والله ما لهم من نيات ولا عزم على أمر ولا صبر على سيف. وهذا ابن عمر يقول للحسين: إني محدثك حديثاً: إن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فخيره بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا وإنك بضعة منه والله ما يليها أحد منكم أبدا وما صرفها الله عنكم إلا للذي هو خير لكم فأبى أن يرجع فاعتنقه وبكى وقال: استودعك الله من قتيل.
وجاء الحسين خبر مسلم بن عقيل عن طريق الرسول الذي أرسله مسلم فهمّ الحسين بالرجوع فامتنع أبناء مسلم وقالوا: لا ترجع حتى نأخذ بثأر أبينا فنزل الحسين على رأيهم.
وكان عبيدالله بن زياد قد أرسل كتيبة قوامها ألف رجل بقيادة الحر بن يزيد التميمي ليمنع الحسين من القدوم إلى الكوفة فالتقى الحر مع الحسين في القادسية. وحاول منع الحسين من التقدم فقال له الحسين: ابتعد عني ثكلتك أمك. فقال الحر: والله لو قالها غيرك من العرب لاقتصصت منه ومن أمه ولكن ماذا أقول لك وأمك سيدة نساء العالمين رضي الله عنها.
ولما تقدم الحسين إلى كربلاء وصلت بقية جيش عبيدالله بن زياد وهم أربعة آلاف بقيادة عمر بن سعد فقال الحسين: ما هذا المكان؟ فقالوا له: إنها كربلاء، فقال: كرب وبلاء.
ولما رأى الحسين هذا الجيش العظيم علم أن لا طاقة له بهم وقال: إني أخيّركم بين أمرين:
1- أن تدعوني أرجع.
2- أو تتركوني أذهب إلى يزيد في الشام.
فقال له عمر بن سعد: أرسل إلى يزيد وأرسل أنا إلى عبيد الله فلم يرسل الحسين إلى يزيد. وأرسل عمر إلى عبيد الله فأبى إلا أن يستأسر الحسين له. ولما بلغ الحسين ما قال عبيد الله بن زياد أبى أن يستأسر له، فكان القتال بين ثلاثة وسبعين مقاتلاً مقابل خمسة آلاف وكان قد انضم إلى الحسين من جيش الكوفة ثلاثون رجلاً على رأسهم الحر بن يزيد التميمي ولما عاب عليه قومه ذلك. قال: والله إني أخير نفسي بين الجنة والنار. ولاشك أن المعركة كانت غير متكافئة من حيث العدد فقتل أصحاب الحسين (رضي الله عنه وعنهم) كلهم بين يديه يدافعون عنه حتى بقي وحده وكان كالأسد ولكنها الكثرة وكان كل واحد من جيش الكوفة يتمنى لو غيره كفاه قتل الحسن حتى لا يبتلى بدمه رضي الله عنه حتى قام رجل خبيث يقال له شمّر بن ذي الجوشن فرمى الحسين برمحه فأسقطه أرضاً فاجتمعوا عليه وقتلوه شهيداً سعيداً. ويقال أن شمّر بن ذي الجوشن هو الذي اجتز رأس الحسين وقيل سنان بن أنس النخعي والله أعلم.
وأما قصة منع الماء وأنه مات عطشاً وغير ذلك من الزيادات التي إنما تذكر لدغدغة المشاعر فلا يثبت منها شيء. وما ثبت يغني ولاشك أنها قصة محزنة مؤلمة ، وخاب وخسر من شارك في قتل الحسين ومن معه وباء بغضب من ربه وللشهيد السعيد ومن معه الرحمة والرضوان من الله ومنا الدعاء والترضي.
من قتل مع الحسين في الطف:
من أولاد علي بن أبي طالب: أبوبكر، محمد، عثمان، جعفر، العباس.
من أولاد الحسين: علي الأكبر، عبدالله.
من أولاد الحسن: أبو بكر، عبدالله، القاسم.
من أولاد عقيل: جعفر، عبدالله، عبد الرحمن، عبدالله بن مسلم بن عقيل.
من أولاد عبدالله بن جعفر: عون، محمد.
وأضف إليهم الحسين ومسلم بن عقيل (رضي الله عنهم أجمعين). عن أم سلمة قالت: كان جبريل عن النبي صلى الله عليه وسلم والحسين معي، فبكى الحسين فتركته فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فدنى من النبي صلى الله عليه وسلم، فقال جبريل: أتحبه يا محمد؟ فقال: نعم. قال: إن أمتك ستقتله وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها فأراه إياها فإذا الأرض يقال لها كربلاء.. أخرجه أحمد في فضائل الصحابة بسند حسن. وأما ما روي من أن السماء صارت تمطر دماً وأن الجدر كان يكون عليها الدم أو ما يرفع حجر إلا ويوجد تحته دم أو ما يذبحون جزوراً إلا صار كله دماً فهذه كلها تذكر لإثارة العواطف ليس لها أسانيد صحيحة.
حكم خروج الحسين:
لم يكن في خروج الحسين عليه السلام مصلحة لا في دين ولا دنيا ولذلك نهاه كثير من الصحابة وحاولوا منعه وهو قد هم بالرجوع لولا أولاد مسلم، بل بهذا الخروج نال أولئك الظلمة الطغاة من سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتلوه مظلوماً شهيدا. وكان في خروجه وقتله من الفساد ما لم يكن يحصل لو قعد في بلده ولكنه أمر الله تبارك وتعالى وما قدر الله كان ولو لم يشأ الناس. وقتل الحسين ليس هو بأعظم من قتل الأنبياء وقد قدم رأس يحي عليه السلام مهراً لبغي، وقتل زكريا عليه السلام وكثير من الأنبياء قتلوا كما قال تعالى:" قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين".
وكذلك قتل عمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين.
كيف نتعامل مع هذا الحدث:
لا يجوز لمن يخاف الله إذا تذكر قتل الحسين ومن معه رضي الله عنهم أن يقوم بلطم الخدود وشق الجيوب والنوح وما شابه ذلك، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ليس منا لطم الخدود وشق الجيوب.. أخرجه البخاري. وقال: أنا بريء من الصالقة
والحالقة والشاقة.. أخرجه مسلم. وقال: إن النائحة إذا لم تتب فإنها تلبس يوم القيامة درعاً من جرب وسربالاً من قطران.. أخرجه مسلم.
والواجب على المسلم العاقل إذا تذكر مثل هذه المصائب أن يقول كما أمره الله تعالى:" الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون".
وما علم أن علي بن الحسين أو ابنه محمداً أو ابنه جعفراً أو موسى بن جعفر رضي الله عنهم ما عرف عنهم ولا عن غيرهم من أئمة الهدى لأنهم لطموا أو شقوا أو صاحوا فهؤلاء هم قدوتنا.
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم،،،،،، إن التشبه بالكرام فلاح
موقف يزيد من قتل الحسين:
لم يكن ليزيد يد في قتل الحسين ولا نقول هذا دفاعاً عن يزيد ولكن دفاعاً عن الحق فيزيد لا يهمنا من قريب ولا بعيد:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أن يزيد بن معاوية لم يأمر بقتل الحسين باتفاق أهل النقل ولكن كتب إلى ابن زياد أن يمنعه عن ولاية العراق ولما بلغ يزيد قتل الحسين أظهر التوجع على ذلك وظهر البكاء في داره ولم يسبِ لهم حريماً، بل أكرم أهل بيته وأجازهم حتى ردهم إلى بلادهم، وأما الروايات التي تقول: إنه أهين نساء آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهن أخذن إلى الشام مسبيات وأهن هناك، هذا كلام باطل، بل كان بنو أمية يعظمون بني هاشم ولذلك لما تزوج الحجاج بن يوسف من فاطمة بنت عبدالله بن جعفر لم يقبل عبد الملك بن مروان هذا الأمر وأمر الحجاج أن يعتزلها وأن يطلقها فهم كانوا يعظمون بني هاشم ولم تسب هاشمية قط. انتهى
رأس الحسين:
لم يثبت أن رأس الحسين أرسل إلى يزيد بالشام بل الصحيح أن الحسين قتل في كربلاء ورأسه أخذ إلى عبيد الله بن زياد في الكوفة، ولا يعلم قبر الحسين ولا يعلم مكان رأسه عليه السلام.
والله تعالى أعلى وأعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

آيات يستدل بها الشيعة للشيخ عثمان الخميس



آيات يستدل بها الشيعة للشيخ عثمان الخميس حفظه الله

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين محمد بن عبدالله وعلى آل بيته الكرام وصحابته الأبرار
وبعد

فهذا رد على عدة مقالات كتبها علي المتروك ( شيعي ) في جريدة الوطن

فنقول وبالله نستعين : ذكرتَ مجموعةً منَ الآياتِ تَدُلُّ على فضلِ آلِ البَيْتِ رضي الله عنهم ، وعُلُوِّ مكانتِهم ، ووجوبِ تقديمهم واتِّباعِهم ، والتَّسليمِ لهم . ولا أرَى أنَّ الآياتِ تَدُلُّ على مطلوبكَ ، بل ذكّرَنِي سردُكَ للآياتِ على هذا الوجهِ بروايةٍ قرأتُها قديمًا في كُتُبِكم ، فيها : (أنَّ القُرآنَ نَزلَ ثلاثةَ أثلاثٍ : ثُلُثٌ فينا . وثلثٌ في عَدُوِّنَا . وثُلثٌ أحكامٌ وفرائضُ). تفسير البرهان المقدمة ص158
فلا غرو ـ مع هذه الرواية ـ أنْ تختزلَ كُلَّ هذه الآياتِ في مجموعةٍ قليلةٍ منَ البشرِ رضي الله عنهم ، وأنْ تَتكلَّفَ في فهمِ مراد الله تعالى فيها ، وتلويَ أعناقَها تبعًا لما تريد.
ولعلَّ الذي ذكرتَهُ من الآياتِ غَيضٌ مِن فَيْضٍ منَ الآياتِ النَّازِلةِ في آلِ البيتِ رضي الله عنهم كمـا يظهر ذلكَ من كُتبِ التفسيرِ عندكم ،ومهمـا يكن من أمرٍ فاقْبَلْ مِنِّي غيرَ مأمورٍ تفسيرَ هذه الآياتِ كما جاء عَن سَلَفِ هذهِ الأُمَّةِ في الكُتبِ المعتمدةِ : -
[1] - : آيةُ التطهيرِ:[إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ] [الأَحْزَاب:33] روى الإمامُ مُسْلِمٌ في (صحيحهِ) عن أُمِّ المؤْمنينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنها قَالَتْ : خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم غَدَاةً ، وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُـرَحَّـلٌ مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ ، فَجَاءَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَأَدْخَلَهُ ، ثُمَّ جَـاءَ الحُسَيْنُ فَدَخَـلَ مَعَهُ ، ثُمَّ جَـاءَتْ فَاطِمَـةُ فَأَدْخَلَهَا ، ثُمَّ جَـاءَ عَلِيٌّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ قَالَ : (إِنَّمَـا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا).والمرط كساء من صوف
أيْ : أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قَرأَ هذه الآيةَ عليهم لاَ أنّها نزَلتْ فيهم خاصةً . قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ:مضمون هذا الحديثِ:أنَّ النَّبِيَّ لى الله عليه وآله وسلم دعَا اللهَ لَهم بأنْ يُذْهِبَ عَنهمُ الرِّجْسَ وَيُطَهِّرَهُمْ تَطْهِيرًا،وغاية ذلك أنْ يكونَ دعَا لَهم بأنْ يكونوا مِنَ المُتَّقِينَ الذين أذْهَبَ اللهُ عَنهمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ،واجْتِنَابُ الرِّجْسِ واجِبٌ على المؤمنينَ،والطَّهَارَةُ مأْمورٌ بها كُلُّ مؤمنٍ).منهاج السنة 5/14
· أولاً : هذه الآيةُ ـ وهي تُسَمَّى آيةُ التَّطهيرِ ـ إنّمـا نزلتْ في نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم كمـا قال اللهُ سبحانه وتعالى: [ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفًا - وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا - وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ] [الأَحْزَاب : 32 - 34] ، فالذي يُراعي سياقَ هذه الآياتِ يُوقِنُ أنّها في نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم خاصةً .
وأما قوله تعالى:[لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ]ولم يَقُلْ:(عَنْكُنَّ)وقولِه سبحانه وتعالى:[ وَيُطَهِّرَكُمْ]ولم يَقُلْ: (وَيُطَهِّرَكُنَّ)،لأنَّ النِّسَاءِ دخلَ مَعهنَّ النَّبِيُّ (وهو رأسُ أهلِ بيتهِ)،ولهذا نظائرُ في كتابِ الله تعالى منها :
- ما جاءَ عن زَوْجةِ إبراهيمَ صلى الله عليه وسلم:[ قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَـمِيدٌ مَجِيدٌ ][هُود:73]،والمرادُ هنا بأَهْلِ الْبَيْتِ:(إبراهيمُ وزوجتهُ) .
- قول الله سبحانه وتعالى عن مُوسَى صلى الله عليه وسلم:[ فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا ][القَصَص:29]،وكانتْ معه زوجتُهُ.
وإنّما كان (عَلِيٌّ وفَاطِمَةُ والحَسَنُ والحُسَيْنُ رَضِيَ اللهُ عنهم) مِن أهلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم بدليلِ حديثِ الكِسَاءِ ، لا بدليلِ الآيةِ وذلك لما أدخلَهُمُ تحتَ الكساءِ وقرأَ : [إِنَّمَـا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا].
ثُمَّ إنَّ قولَه سبحانه وتعالى:[إِنَّمَـا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا] ليست آيةً مُستقِلَّةً ، بل هو جُزْءٌ مِن آيةٍ تتكلَّمُ عن نساءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وتبِعتْها آيةٌ تتكلَّمُ كذلك عنهنَّ . وهذا واضِحٌ جدًا لِـمَـن تأمَّلَ هذه الآيةَ وقرأها قراءةً مُتأنِّيَةُ بتجرُّدٍ وإنصافٍ .
· ثَانيا : إنَّ مفهومَ أهل بيت النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم يتعدَّى زوجاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، ويتعدى عَلِيًّا والحَسَنَ والحُسَيْنَ وفَاطِمَةَ إلى غيرهم ، كمـا في حديث زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ الذي رواه مُسْلِمٌ في (صحيحهِ) ، وفيه قولُه صلى الله عليه وآله وسلم : أُذَكِّرُكُمُ اللهَ في أَهْلِ بَيْتِي ثلاثًا.وقال زيد :أَهْلُ بَيْتِهِ مَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ . هُمْ : آلُ عَليٍّ ، وَآلُ عَقِيلٍ ، وَآلُ جَعْفَرٍ ، وَآلُ عَبَّاسٍ .
وجـميعُ بني هَاشِمٍ مِنْ آلِ البَيْتِ،وهم كُلُّ مَن حُرِمَ الصَّدَقَةَبدليلِ الحديثِ الذي رواهُ الإمامُ مُسْلِمٌ في(صحيحِه)وفيه:اجْتَمَعَ رَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ بن عبد المُطَّلِب وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ،فَقَالاَ:واللهِ لَوْ بَعَثْنَا هَذَيْنِ الْغُلاَمَيْنِ يعنيان عبدالمطلب بن ربيعة والْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ إِلَى رَسُولِ الله فَكَلَّمَـاهُ فَأَمَّرَهُـمَـا عَلَى هَذِهِ الصَّدَقَاتِ فقال:(إِنَّ الصَّدَقَةَ لاَ تَنْبَغِي لآلِ مُحَمَّدٍ إِنَّمَـا هي أَوْسَاخُ النَّاسِ .)
ثالثا: إنَّ اللهَ تباركَ وتعالى يريدُ إذهابَ الرجسِ عَن كُلِّ مُؤمنٍ ومؤمنةٍ فقال تعالى لنبيِّهِ: [وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ] [المُدَّثِّر : 4] ، وهو أمرٌ للأُمَّةِ ، وقد أمرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم المُسْلِمَ إذا أرادَ أنْ يُصَليَ أنْ يتوضأَ ، وأنْ يَتجنَّبَ أماكنَ الوَسَخِ.
· رابعاً : التَّطهيرُ ليس خاصًا بِعَلِيٍّ وفَاطِمَةَ والحَسَنِ والحُسَيْنِ رَضِيَ اللهُ عنهم ، بل واقعٌ لغيرِهم أيضا كمـا قال سبحانه وتعالى : [ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَـهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ] [التَّوْبِة : 103] .
وقال سبحانه وتعالى : [ مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ] [المَائِدَة : 6]
ولقد قال اللهُ سبحانه وتعالى لأهلِ بَدْرٍ : [ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ ] [الأَنْفَال : 11] ، فإذا كان ذكرَ (التَّطهيرَ) لخمسةٍ من آلِ البيتِ هناك فقد ذكرَ ـ هنا ـ (التَّطهيرَ) للبدريين الثلاثمئة وبضعة عشر ، وعليه : فإن كانت آيةُ (الأَحْزَابِ) تَدُلُّ على عِصْمَةِ (الخمسةِ) كما تقولونَ فمقتضى القياس واطراده يقضي بأنَّ آيةَ (الأَنْفَالِ) تَدُلُّ على عِصْمَةِ (الثلاثمئة وبضعة عشر)
وهذه ثُلَّةٌ من أقوالِ السَّلفِ في تفسيرِ قوله سبحانه وتعالى : [إِنَّمَـا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا] :
- قال ابنُ كثيرٍ : (عنِ ابنِ عَبَّاسٍ : نزلتْ في نِسَاءِ النَّبِيِّ خاصةً . قال عِكْرِمةُ : (مَنْ شاءَ بَاهَلْتُهُ أنّها نزلتْ في شأنِ نِسَاءِ النَّبِيِّ . (قال ابنُ كثيرٍ) : فإنْ كانَ المُرادُ أنَّهُنَّ كُنَّ سَببَ النُّزولِ دونَ غيرِهنَّ فصحيحٌ . وإنْ أُريدَ أنَّهُنَّ المُرادُ فقط دونَ غيرِهنَّ ففيهِ نَـظَـرٌ فإنّه قد وردتْ أحاديثُ تَدُلُّ على أنَّ المُرادَ أعَمُّ مِنْ ذلكَ) .
ثُمَّ ذكرَ ما يَدُلُّ على أنَّ عَلِيًّا ، وفَاطِمَةَ ، والحَسَنَ ، والحُسَيْنَ ، وآلَ عَلِيٍّ ، وآلَ عقيلٍ وآلَ جَعْفَرٍ ، وآلَ العَبَّاسِ مِن آلِ بيتِ النَّبِيِّ. تفسير ابن كثير

[2] - :آيةُ المودة:[قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى][الشُّورَى:23] جاء في (صحيحِ البُخاريِّ):عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ سبحانه وتعالى:[إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى] فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ:قُرْبَى آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم.فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:(عَجِلْتَ إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم لَـمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلاَّ كَانَ لَهُ فِيهِمْ قَرَابَةٌ فَقَالَ : إِلاَّ أَنْ تَصِلُوا مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنَ الْقَرَابَةِ) .
ويؤكِّدُ هذا أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم لا يسألُ أجرًا أبدًا ، كما قال سبحانه وتعالى : [ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ المُتَكَلِّفِينَ ] [ص : 86] ، وقال سبحانه وتعالى : [ وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ] [يُوسُف : 104] ، وقال سبحانه وتعالى : [قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ ... ] [سَبَأ : 47] ، وهكذا قال مثلَ قولِهِ جميعُ الأنبياءِ عليهم السَّلامُ ، وهو أكملُهم صلى الله عليه وآله وسلم :
قال نُوحٌ عليه السلام:[وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ][الشُّعَرَاء:109]
قال هُودٌ عليه السلام:[وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ][الشُّعَرَاء: 127] .
قال صَالِحٌ عليه السلام:[وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ] [الشُّعَرَاء : 145].
قال لُوطٌ عليه السلام : [وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ][الشُّعَرَاء : 164] .
قال شُعَيْبٌ عليه السلام : [وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ][الشُّعَرَاء: 180].
والنَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم أكرمُ الأنبياءِ وأفضَلُهم ، وهو أولَى بأن لا يسألَ أجرًا ، وقولُ الله سبحانه وتعالى : [إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى] . معنَى [ إِلاَّ ] هنا : إمّا أن تكونَ استثناءً مُتَّصلاً ، وإما أن تكونَ استثناءً مُنقطِعًا ، أي بمعنَى (لكن) ، فيكون معنَى [إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى] أيْ : ولكن وُدُّوني في قرابتي ، أنا قريبٌ منكُم ، دعوني أدعو النَّاسَ . وقد ثبتَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم أنه سألَ قُريشًا أنْ يتركوهُ يدعو إلى الله ، فإنْ ظَهَرَ كانَ لهم هذا ، وإنْ قتلَهُ النَّاسُ فيسْلَمونَ مِن دَمِهِ .
ثُمَّ لو كانَ يُريدُ أجرًا لِقرابتِهِ لقالَ : (لذي القُرْبَى) أو (لذوي القُرْبَى) . أما أن يقولَ : (في القُرْبَى) فلا يَصِحُّ . ثُمَّ إنَّ هذه الآيةَ مَكِّيَّةٌ ، وكان عَلِيٌّ وقتَ نزولِها صغيرًا لـمْ يتزوَجْ فَاطِمَةَ ، ومِن ثَمَّ الحسَنُ والحُسَيْنُ لم يولدَا .
قال شَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ : (جميعُ ما في القُرآنِ مِنَ التَّوصِيَةِ بحقوقِ ذَوي قُرْبَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم وذَوي قُرْبَى الإنسانِ إنّما قيلَ فيها [ ذَوِي الْقُرْبَى ] [البَقَرَة : 177] ولـمْ يقُلْ : (في القُرْبَى) . ثُمَّ يُقالُ كذلكَ : ليسَ مُناسِبًا لشَأْنِ النُّبُوَّةِ طلبُ الأجْرِ وهو مودَّةُ ذوي قُرْبَاهُ لأنَّ هذا مِن شِيمَةِ طالبي الدّنيا . ثُمَّ إنَّ هذا القولَ يوجِبُ تُهْمَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم). منهاج السنة 7/101
قال الحافِظُ ابنُ حَجَرٍ في (فتح الباري) (8/564 - 565):(بَابُ قَوْلِهِ:[إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى] ذَكَرَ فِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : سُئِلَ عَنْ تَفْسِيرِهَا،فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ:(قُرْبَى آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم) . فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : (عَجِلْتَ) . أَيْ : أَسْرَعْتَ فِي التَّفْسِيرِ . وهذا الذي جَزَمَ بهِ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَدْ جَاءَ عَنْهُ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا ، فَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ تفسيريهما مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال : (لمَّا نَزَلَتْ قَالُوا : يَا رَسُولَ الله مَنْ قَرَابَتُكَ الذينَ وَجَبَتْ عَلَيْنَا مَوَدَّتُهُمْ) الحَدِيثَ . وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ فيه قيس بن الربيع وحسين الأشقروكلاهما ضعيف، وَهُوَ سَاقِطٌ لِمُخَالَفَتِهِ هَذَا الحَدِيثَ الصَّحِيحَ. (ثُمَّ قال الحافِظُ) : وَالمَعْنَى : (إِلَّا أَنْ تَوَدُّونِي لِقَرَابَتِي فَتَحْفَظُونِي) . وَالخِطَابُ لِقُرَيْشٍ خَاصَّةً ، و (الْقُرْبَى) : قَرَابَةُ الْعُصُوبَةِ وَالرَّحِمِ ، فَكَأَنَّهُ قال : (احْفَظُونِي لِلْقَرَابَةِ إِنْ لَـمْ تَتَّبِعُونِي لِلنُّبُوَّةِ).

[3] - : آيةُ المباهلةِ : [ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ] [آل عِمْرَانَ : 61] يمكنُ إجمال مناقشتنا لاستدلالكَ بهذه الآيةِ في نقاطٍ :
· تاريخ المُبَاهَلَةِ : سنة (10هـ) .
· [أَبْنَاءَنَا] : هم الحسَنُ والحُسَيْنُ . وقيلَ : عَلِيٌّ لأنه بمنزلةِ الابْنِ بالنسبةِ لِرَسُولِ اللهِ ، حيثُ تربَّى في بيتهِ وتزوّجُ ابنتَهُ .
· [نِسَاءَنَا] : فَاطِمَةُ .
· [أَنْفُسَنَا]:النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم لأنّ الرجُلَ يمكن أن يناديَ نفسَهُ ويُخاطبَها،ويدلُّ على ذلكَ أمورٌ : -
- لا أحد يساوي رسولَ الله ِصلى الله عليه وآله وسلم ، لا عَلِيٌ ولا غيرُه .
- إذا كان المقصود أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم لا بدَّ أنْ يأتيَ بواحدٍ كنفسهِ فهل هذا الأمرُ كذلك مع مَنْ يُبَاهِلُهُ
- وقولهُ تعالَى : [ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ] [التَّوْبِة : 128].
- ولعلّكَ أنْ تسألَني : لِـمَ قدَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم عَلِيًّا ، و فَاطِمَةَ ، و الحسَنَ والحُسَيْنَ فأقولُ مُجيبًا :
1 - لـم يكنْ أحدٌ أقربَ نسبًا إليه منهم .
2 - المباهلةُ إنّما تحصلُ بالأقربينَ لأنَّ النفوسَ تحنو على أقاربِها طبعًا ، وتجنّبُها المهالكِ .
3 - آيةُ المُبَاهَلَةِ كانت سنةَ عشر مع وفدِ نَجْرَانَ،وكان كلُّ أولادِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قد تُوفُّوا:رُقَيّة 2هـ،زَيْنَب 8هـ،أُمّ كُلثومٍ9هـ،أمّا إبراهيمُ والقاسمُ وعبدُ الله فماتوا صغارًا قبلَ هذه الحادثةِ بكثيرٍ .
4 - لاَ شَكَّ أنَّ فيه نَوعَ فضيلةٍ لهم .
5 - لـم يكنْ مِنْ أقاربِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم موجودًا في ذلك الوقتِ مَنْ له مكانةٌ في الدّينِ مثل عَليٍّ . أما عَمُّهُ العَبَّاسُ فكان موجودًا ولكن لا يُقارنُ بِعَلِيٍّ لأنه ليس منَ السَّابقينَ . وأما بنو عَمِّهِ فليس فيهم مثلُ عَليٍّ إلاَّ جَعفر ، وكان قدِ اُستُشْهِدَ في مُؤْتَةَ .

[4] - : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ] [النِّسَاء : 59] قال القُرطُبِيُّ : (وأولي الأمرِ : أهلُ القُرآنِ والعلمِ . وقيل : الفُقهاءُ والعُلماءُ . وقيل : أصحابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم خاصة . وقيل : أبو بكرٍ وعُمَرُ . وقيل : أهلُ العَقلِ والرَّأْيِ) ثُمَّ قال : (وأصحُّ هذه الأقوالِ : الأولُ والثّاني) . ثُمَّ استدلَّ لهما وردَّ باقي الأقوالِ .
ثُمَّ قال : (وزعمَ قومٌ أنَّ المرادَ بأُولي الأمرِ عَلِيٌّ والأئمّةُ المعصومونَ ، ولو كان كذلكَ ما كان لقولهِ : [ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ ] معنًى ، بل كان يقولُ : (ردوه إلى الإمامِ وأولي الأمر) . وهذا قولٌ مهجورٌ مُخالِفٌ لما عليهِ الجمهورُ .
[5] - : [وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ] [النِّسَاء : 115] قال ابنُ كَثيرٍ : (هذا مُلازِمٌ للصِّفَةِ الأولَى ، ولكن قد تكونُ المُخالَفَةُ لنَصِّ الشَّارِعِ وقد تكونُ لِمَا اجتمعتْ عليهِ الأُمَّةُ المُحَمَّدِيَّةُ فيما عُلِمَ اتِّفاقُهم عليهِ تحقيقًا فإنّهُ قد ضُمِنَتْ لهمُ العِصْمَةُ في اجْتِماعِهم مِنَ الخَطأِ ، تشريفًا لهم وتعظيمًا لِنَبيِّهم) .
قال الطَّبريُّ:(يعنِي جلَّ ثناؤهُ بقولِهِ [وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ ]:ومَنْ يُبايِنُ الرَّسُولَ مُحَمَّدًا مُعادِيًا له فيفارقه على العَداوةِ له مِن بعدِ ما تبيَّـنَ له الهُدَى ...[وقوله]:[ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ ] يقولُ : ويتّبعْ طريقًا غيرَ طريقِ أهلِ التّصديقِ ويسلكْ منهاجًا غير منهاجِهم ، وذلكَ هو الكُفرُ بالله) .
وقال القُرطُبِيُّ : (هي عامّةٌ في كُلِّ مَن خالفَ طريقَ المُسلمينَ ... قال العلماءُ : في قولهِ تعالى [وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ ] دليلٌ على صِحَّةِ القولِ بالإجماعِ) .
وقال البَغَويُّ : (طريق المؤمنينَ) .
قلتُ : ولا شَكَّ ولا ريبَ أنَّ أئمّةَ أهلِ البيتِ كعَلِيٍّ ، والعَبَّاسِ ، والحَسَنِ ، والحُسَيْنِ ، وابنِ العِبَّاسِ ، وعبدِ الله بنِ جَعْفَرٍ ، وغيرِهم منَ المؤمنينَ الذينَ أمرنا اللهُ تباركَ وتعالَى أنْ نَتَّبِعَ سبيلَهم مع غيرِهم كأبي بكرٍ، وعُمرَ ، وعُثْمَانَ ، وطَلحةَ ، والزَّبيرِ ، وابنِ الزُّبيْرِ ، وابنِ عُمَرَ ، وعَائشةَ وغيرهِم .
هذا إذا اتّفقوا ولـم يختلِفوا على أمرٍ ما مِن أمورِ الشَّرعِ ، ولهذا تذكرُ هذه الآيةُ في كُتبِ (علمِ أُصولِ الفقهِ) كدليلٍ على حُجّيّةِ الإجماعِ .
[6] - : [إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ] [الرَّعْد : 7] قال ابنُ كَثيرٍ : (عنِ ابنِ عَبَّاسٍ : أيْ لِكُلِّ قومٍ دَاعٍ . وقال : يقولُ اللهُ تعالَى : أنتَ يا مُحَمَّدٌ مُنْذِرٌ وأنا هَادي كُلَّ قَومٍ . وكذا قال مُجَاهِدٌ وسَعيدٌ والضَّحَّاكُ وغيرُ واحِدٍ .
وعن مُجَاهدٍ:[وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ]:أيْ نَبِيٌّ.وعنِ ابنِ عَبَّاسٍ لمَّا نزلتْ:[إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ] قال:وضعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم يدَهُ على صدْرِهِ وقال:(أنا المُنْذِرُ،وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) . وأومأَ بيدِهِ إلى مَنكَبِ عَلِيٍّ فقال : (أنتَ الهادي يا عَلِيٌّ بكَ يهتدي المهتدونَ مِن بعدي) . ولكنه حديثٌ مُنْكَرٌ أخرجه الطبري في تفسيره وفيه الحسن العرني ضعيف جدا وفيه معاذ بن مسلم وهو مجهول
يتبعه التكملة

من يحكم إيران؟


من يحكم إيران؟


ينبهر كثير من المسلمين برؤية الانتخابات الإيرانية لرئيس الجمهورية، ويعتبرونها صورة حضارية لاختيار زعيم يرضى عنه الشعب ويحقق آماله، خاصة في ظل الأوضاع المتردية في معظم بلاد العالم العربي؛ التي لو شهدت البلاد العربية انتخابات فإنها تكون انتخابات مزوَّرة، وهذا يجعل المسلمين يلهثون وراء أيّ تجربة بصرف النظر عن كونها غربية أو شيعية أو غير ذلك.
ولكن هل تعتبر الانتخابات الإيرانية فعلاً نموذجًا يُحتذى؟ وهل الرئيس الذي يختاره الشعب يملك من الصلاحيات ما يحقق به آمال الذين انتخبوه؟ وهل هناك فرصة لإصلاح الفساد إن حدث؟ وهل النظام الإيراني يمتلئ بالحيوية كما يحلو لكثيرٍ من المنبهرين بالشيعة أن يقولوا؟!
إننا لا بد أن نعود للأصول حتى نفهم من يحكم إيران في الحقيقة.. وأنا أنصح القراء بقراءة مقالاتي السابقة في هذا الموضوع؛ لأنها ستعطي رؤية أوضح لما سأذكره في هذا المقال، وهذه المقالات كانت بعنوان "أصول الشيعة"، و"سيطرة الشيعة"، و"خطر الشيعة"، و"موقفنا من الشيعة".

لقد قام الخوميني بثورته الشيعية في سنة 1979م، وأطاح بحكم الدكتاتور الإيراني السابق الشاه بهلوي، الذي كان يملك صلاحيات كبيرة جدًّا في إيران، إضافةً إلى صلاحيات النظام الحاكم المنتمي له، فماذا فعل الخوميني؟! لقد كوَّن دكتاتورية أكبر بكثير من دكتاتورية الشاه، وجمع من الصلاحيات ما يفوق صلاحيات الشاه بكثير، ولو كانت هناك فرصة للاعتراض في زمن الشاه، فإن هذه الفرصة أصبحت معدومة في زمن الخوميني ومن بعده. أما الذي نراه اليوم من صراعات واعتراضات ومعسكرات فما هو إلا في إطار محدود ومعروف يهدف في النهاية إلى تجميل النظام، وإشعار الجميع أن الحرية موجودة، وأن البلد بخير، وأن اختيار الشعب محترم!

كيف حدث هذا؟! وما أصل القصة؟!
لقد جاء الخوميني إلى حكم إيران وفقًا لنظرية استدعاها من التاريخ الشيعي اسمها نظرية "ولاية الفقيه"، والأصل في الفكر الشيعي أن الولاية لا بد أن تكون للإمام المعصوم، وهم يعتقدون في عصمة الإمام علي بن أبي طالب t، ثم عصمة أولاده الحسن ثم الحسين، ثم عصمة أبناء الحسين المتسلسلين، الذين كوَّنوا عندهم ما يُسمى بالأئمة الاثني عشر، ولكن حدث أن الإمام العسكري - وهو الإمام الحادي عشر عند الشيعة - مات سنة 260هـ دون أن يسمِّي إمامًا معصومًا خلفه، فانقسم الشيعة إلى طوائف كثيرة لحل هذه المعضلة، وكانت من هذه الطوائف طائفة الاثني عشرية التي ادعت أن الإمام العسكري أوصى إلى ابنه الصغير محمد الذي لم يبلغ الخامسة من عمره، غير أن هذا الإمام الثاني عشر دخل في أحد السراديب واختفى، ويعتقد الشيعة الاثنا عشرية (في إيران ولبنان) أنه ما زال موجودًا في داخل السرداب، وأنه سيظهر في يوم من الأيام ليحكم الدنيا، وهو عندهم المهدي المنتظر، وفي العقيدة الشيعية أنه لا يجوز تولي الحكم وقيادة الدولة وإقامة أحكام الدين والجهاد والجماعة والحدود وكل شيء إلا في وجود الإمام المعصوم، ومِن ثَمَّ فكل شيء معطَّل إلى أن يظهر هذا الإمام الوهمي.

ولكن الخوميني أحيا نظرية اجتهادية موجودة في التاريخ الشيعي هي نظرية "ولاية الفقيه"، وهي تعني أن الإمام المهدي الغائب "الطفل الذي دخل السرداب" قد عَهِد إلى الفقيه الذي يمتلك القدرة الفقهية العالية بأن يقوم بما كان سيقوم به الإمام المعصوم في حالة وجوده، ومِن ثَم فإن هذا الفقيه يرأس الأمة، ويأخذ صلاحيات الإمام المعصوم، بما فيها العصمة، وبما فيها من الإلهام من الله، وبما فيها من الارتفاع فوق مقام النبوة؛ لأن النبوة عندهم انتهت في فترة معينة، بينما يستمر الإمام المعصوم إلى الآن، وقد نقلنا قبل ذلك قول الخوميني في كتابه (الحكومة الإسلامية): "... وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقامًا لا يبلغه ملكٌ مقرَّب، ولا نبي مرسل

وعلى هذا فإذا أخذ الإيرانيون بهذه النظرية فإنه لا يجوز أصلاً الاعتراض على حكم الفقيه الذي يتولى قيادة البلاد، والذي يُعرف عندهم الآن بالفقيه الأكبر، أو بمرشد الثورة، أو بالقائد، وكلها مترادفات للشخصية الأولى والأخيرة في النظام الإيراني الجديد، وهذا خطر جدًّا، بل هو أخطر من الأوضاع في الأنظمة العربية الفاسدة؛ لأن الحكام العرب الدكتاتوريين لا يقولون أنهم يحكمون باسم الله عزوجل، ولا يدَّعون الإلهام من الله، ولا يدعون العصمة، ولا تعتبر شعوبهم أن طاعتهم أمرٌ تمليه عليهم الشريعة، بل الكثير من الشعوب ترى أن مقاومة دكتاتوريتهم فضيلة؛ لأنها مقاومة للظلم والتسلُّط، بينما يُعتبر ذلك في إيران جريمة في حق الله قبل أن تكون جريمة في حق النظام أو القائد.
لقد صمم الخوميني الدستور الإيراني الجديد بالشكل الذي يحفظ هذه الدكتاتورية العنيفة له، ولمن جاء من بعده على المنهج الاثني عشري المنحرف، فجعل من بنود الدستور أن مرشد الثورة يظل في هذا المنصب مدى الحياة! ثم كوَّن ما يُسمى بمجلس الخبراء، وهذا المجلس يختاره الشعب بالانتخاب، ولكن لا بد أن يكون هذا المرشح لمجلس الخبراء من الفقهاء، ولا بد أن يكون من الاثني عشريين، ولا بد أن يكون مؤمنًا بنظرية ولاية الفقيه. وهذا المجلس هو الذي يختار بعد ذلك الولي الفقيه الذي يخلف الخوميني بعد موته، ليظل وليًّا فقيهًا حاكمًا طيلة حياته بعد ذلك، وقد اختار هذا المجلس "آية الله علي خامنئي" ليكون مرشدًا للثورة، وهو في هذا المنصب من سنة 1989م إلى الآن!
ولم يكتف الخوميني بذلك، بل جمع إلى سلطاته صلاحيات أخرى كثيرة كما جاء في المادة 110 من الدستور؛ فمرشد الثورة هو الذي يضع كافة المسائل الرئيسية الخاصة برسم وتعيين السياسات العامة للنظام، وهو الذي يقود القوات المسلحة، وهو الذي يملك أن ينصِّب ويعزل رؤساء المؤسسات والمجالس الرئيسية في الدولة، وهو الذي يعيِّن رئيس السلطة القضائية، ورئيس الإذاعة والتليفزيون، ورئيس أركان القيادة المشتركة للجيش، والقائد العام لقوات حرس الثورة، كما يملك - فوق كل ذلك - عزل رئيس الجمهورية المنتخَب من قِبل الشعب!!!

إنها سيطرة لا يحلم بها أي دكتاتور عربي، وليس هذا فقط، بل إن كل ما سبق وغيره يتم بتفويض من الإمام الغائب المهدي، وإذا حدث وعصى أحد أفراد الشعب أوامر هذا المرشد فإن هذه خطيئة تصل إلى الشرك بالله؛ حيث إنه يعترض على معصوم، ويستندون في ذلك إلى مقولة منسوبة زورًا إلى الإمام جعفر الصادق يقول فيها: "...فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه، فإنما استخفَّ بحكم الله، وعلينا رَدَّ، والرادُّ علينا رادٌّ على الله، وهو على حدِّ الشرك بالله
ولكن الخوميني أراد أن يجمِّل الصورة، فلا يجعل الأمر في صورة دكتاتورية قاهرة، فجعل هناك منصبًا يُسمى "رئيس الجمهورية"، مع أن الرئيس الفعلي للبلاد هو القائد أو مرشد الثورة، وجعل رئيس الجمهورية هذا بالانتخاب العلني من أفراد الشعب، حتى يفرِّغ كل الشحنات في داخل الشعب فيشعر أنه هو الذي اختار، وهو الذي وجَّه مسيرة الأمة، ولكن وقفة تأمل مع رئيس الجمهورية الإيرانية..

كيف يُختار هذا الرئيس؟!
لقد ابتكر الخوميني مجلسًا سماه "مجلس صيانة الدستور"، هو المكلَّف باختيار من يمكن أن يُرشَّح للرئاسة، وهذا المجلس مكوَّن من اثني عشر عضوًا، يعيِّن مرشد الثورة ستة منهم بشكل مباشر! أما الستة الآخرون فيرشحهم رئيس السلطة القضائية بعد ترشيح مجلس النواب، مع العلم أن رئيس السلطة القضائية نفسه يُعيَّن من قِبل مرشد الثورة، وهذا يعني أن أعضاء مجلس صيانة الدستور بكاملهم من الذين يختارهم مرشد الثورة أو يرضى عنهم، وهذا المجلس يقوم بقبول ترشيحات المتقدمين لشغل منصب رئيس الجمهورية، ومن ثَمَّ فهو لا يقبل من المتقدمين إلا من هو على علاقة قوية جدًّا وحميمة بمرشد الثورة!! فليس هناك أي فرصة لوجود معارض لمرشد الثورة، وما يسمَّى بالمحافظين أو الإصلاحيين ما هي إلا صورة وهمية لبعض الاختلافات الطفيفة في الإطار الذي يسمح به مرشد الثورة، ويكفي أن نعلم أنه في الانتخابات الأخيرة تقدم لمنصب الرئاسة 471 مرشحًا، لم يقبل مجلس صيانة الدستور منهم إلا أربعة فقط؛ اثنين من المحافظين واثنين من الإصلاحيين، والجميع من أبناء النظام، وأتباع مرشد الثورة.. فأحمدي نجاد مقرَّب جدًّا من مرشد الثورة علي خامنئي، وهو من أشد المتمسكين بمبدأ ولاية الفقيه، وهو يعتبر من المحافظين. أما المنافس الأكبر له فكان مير حسين موسوي، وهو من الإصلاحيين، لكنه في نفس الوقت من أبناء الثورة، ورحل معها من باريس إلى طهران، وكان يشغل منصب رئيس الوزراء في عهد الخوميني من سنة 1981 إلى سنة 1989م، وهو آخر رئيس وزراء لإيران قبل إلغاء هذا المنصب أصلاً! والمرشح الثالث هو مهدي كروبي من الإصلاحيين، وكان يرأس البرلمان الإيراني من سنة 1989 إلى سنة 1992م. والرابع هو محسن رضائي من المحافظين، وكان يشغل مركز قائد الحرس الثوري في أثناء الحرب الإيرانية العراقية!!

إنهم جميعًا من أبناء النظام، ومن المؤيدين بقوة لكل كلمة يقولها المرشد القائد.

وقد يحدث أحيانًا وينسى رئيس الجمهورية المنتخَب من الشعب نفسه، ويأخذ قرارًا يخالف رأي مرشد الثورة، فماذا يحدث عندئذ؟! لا داعي للتكهنات، فقد رأينا واقعًا يوضح لنا الصورة؛ فعلى سبيل المثال تم انتخاب بني صدر ليكون أول رئيس لجمهورية إيران أيام الخوميني سنة 1980م، وظن "بني صدر" أنه أصبح رئيسًا ككل رؤساء العالم يمسك بمقاليد الأمور في دولته، خاصة أنه قد أتى إلى كرسيِّ الحكم بنسبة 75% من أصوات الشعب، وهي نسبة كبيرة كما نعلم، إلا أنه وجد نفسه لا حول له ولا قوة، ولا يملك أن يكلف رئيس وزراء لحكومته، بل لا يستطيع المشاركة في اختيار الوزراء، وكل صغيرة وكبيرة لا بد من الرجوع فيها إلى الخوميني القائد، فلم يطمئن لهذا الوضع واعترض! فماذا كانت النتيجة؟!
لقد عزله الخوميني من منصبه وعيَّن رئيسًا آخر!!
عزله بعد أن حصل على 75 % من أصوات الشعب، فأي قيمة إذن للانتخابات؟ ولماذا تنفق الأموال في الدعايات؟ ولماذا تعقد المناظرات في وسائل الإعلام؟
وعندما أجاز الرئيس علي خامنئي - الذي كان رئيسًا لإيران من سنة 1981 إلى سنة 1989م- قانونَ العمل بعد أن عارضه مجلس صيانة الدستور بتوجيه من الخوميني، وجَّه الخوميني رسالة شديدة اللهجة إلى الرئيس علي خامنئي، وذكَّره في هذه الرسالة أن ولاية الفقيه كولاية الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنه معيَّن من قِبل الإمام الغائب، ورضخ الرئيس علي خامنئي للأمر، مع أن علي خامنئي سيصبح بعد وفاة الخوميني هو المرشد للثورة، وتنتقل العصمة إليه بذلك، وعندها لن يُقبل أي تعقيب لحكمه!
ثم إننا رأينا الإصلاحيين في منصب رئيس الجمهورية، فقد حكم محمد خاتمي من سنة 1997م إلى سنة 2005م، فهل رأينا جديدًا؟!
وهل إيران تحت حكم الإصلاحيين تختلف عنها تحت حكم المحافظين؟ أم أن الأمر في النهاية في يد شخص واحد هو القائد المرشد؟!
ثم إننا نقول أيضًا أن الإصلاحيين والمحافظين لا يمثلون أحزابًا منفصلة في إيران، وليست هناك مؤسسات تضمن توجُّه رئيس معين؛ فأحمدي نجاد لا يمثل إلا نفسه في الانتخابات، وكذلك مير حسين موسوي الإصلاحي، وليس الأمر كما هو في أمريكا مثلاً، عندما يمثل أوباما برنامج الديمقراطيين، في حين يمثل ماكين برنامج الجمهوريين.. إن الأمر أبسط من ذلك بكثير في إيران؛ لأنه مجرد تمثيلية لا وزن لها.
وحتى عندما قامت الصراعات بين المرشحين في شوارع إيران، وتبادلوا الاتهامات في وسائل الإعلام، فإن القيادة الدينية سكتت عن ذلك، وكان هذا السكوت متعمدًا، وقد علَّق على ذلك الخاسر مير حسين موسوي بقوله: "كل السبل للحصول على الحقوق مغلقة، وإن الشعب الإيراني يواجه صمت رجال الدين المهمين
وأضاف أيضًا أن هذا الصمت أخطر من التزوير.
لقد صمت رجال الدين ليظهر الصراع وكأن صراع على منصب مهم جدًّا، وليبرزوا الديمقراطية في البلاد، ووجود تيارين، وترجيح كفة على كفة بواسطة الشعب، بينما الأمر كله في النهاية لا يعدو أن يكون مسرحية سيقوم الشعب فيها باختيار الممثِّل الذي يؤدي ما يكتبه مؤلف السيناريو قائد الثورة!
لقد صمت رجال الدين ليظهر الصراع وكأن صراع على منصب مهم جدًّا، وليبرزوا الديمقراطية في البلاد، ووجود تيارين، وترجيح كفة على كفة بواسطة الشعب، بينما الأمر كله في النهاية لا يعدو أن يكون مسرحية سيقوم الشعب فيها باختيار الممثِّل الذي يؤدي ما يكتبه مؤلف السيناريو قائد الثورة!
والمصيبة بعد كل ذلك أن هذا القائد المرشد لا يحكم بالقرآن والسُّنَّة، إنما يرسِّخ انحرافًا عقائديًّا خطيرًا، ويحكم بتفويض من الإمام الغائب الذي دخل السرداب، ويحرِّك الدولة بكاملها وفق الهوى الشخصي الذي لا يجوز الاعتراض عليه!
وإذا كان الأمر كذلك فلماذا ننبهر بهذه الأوضاع المأساوية؟! ولماذا نرى بعض الكُتَّاب - وأحيانًا من الإسلاميين - يعتبرون إيران نموذجًا يجب أن يُحتذى؟!

إننا ننبهر لعدة أسباب..
منها أننا لا نعرف كل هذه الحقائق في الدستور الإيراني، وفي نظام الحكم هناك، وفي علاقة المرشد برئيس الجمهورية، ومن ثَمَّ فنحن نحكم بعاطفتنا لا بعقلنا، ونميل مع أي إنسان رفع راية الإسلام، ولو كان محرِّفًا مبدلاً.
ومنها أننا لا نعرف الإسلام الحقيقي الذي يسمح للمسلمين أن يعترضوا على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، بل إنه كان يسمح بمناقشة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمور التي ليس فيها وحي.
ومنها أننا نعاني في البلاد العربية من حكم دكتاتوري قهري، ومن تزوير فاضح في الانتخابات، ومن فساد كبير في كل القطاعات، ومن ثَم فنحن نبحث عن نموذج ناجح ولو بصورة ضئيلة، ونتغاضى عن كثير من السلبيات، ونغضُّ الطرف عنها، لنقول في النهاية: الحمد لله، هناك دولة إسلامية تطبِّق الشورى!!
ومنها أننا لا نتابع المخاطر التي تتعرض لها العراق والبحرين والسعودية وسوريا ومصر ولبنان، بل والسُّنَّة في إيران نفسها من جرّاء تولي السلطة لمرشد يؤمن بمبدأ ولاية الفقيه، ويعتقد أن السنة في العالَم مفرطون في الدين، وإن الإمام الغائب قد فوَّضه لتصحيح أوضاع الدنيا لكي تستقبل الإمام المهدي عند عودته!
ومنها أننا نعاني من ظلم أمريكا واليهود، ونفرح إذا تكلم في حقهما أحد، ولا نهتم بمتابعة الأحداث، ولا بقراءة التاريخ، لنعرف أن احتماليات هجوم إيران على إسرائيل لتحرير فلسطين تساوي صفرًا!
إننا - أيها المسلمون - نحتاج أن نبني أمتنا على قواعد سليمة، وأسس صحيحة، ولا يكون هذا في منهج شرقي أو غربي، ولا في مبادئ شيعية أو خوارج، إنما في قرآن وسُنَّة، وعودة إلى الأصول، ودراسة لمنهج الرسول صلى الله عليه وسلم في التغيير، وكذلك مناهج الصالحين في تاريخ أمتنا، وما أكثرهم!
أما الانبهار بالمنحرفين فهذا ليس من شيم الصالحين، وأسأل الله عز وجل أن يُعِزَّ الإسلام والمسلمين.

التطور التاريخي للتشيع

معرفة نشوء المذهب
إن الشيعة بأصولها ومعتقداتها لم تولد فجأة، بل مرت بمراحل كثيرة ونشأت تدريجياً.. وانقسمت إلى فرق كثيرة. وفيما يأتي بعض الآراء في ذلك:

أولاً - رأي الشيعة في نشأة التشيع:
لم يكن للشيعة رأيٌ موحد في هذا الشأن، ونستطيع أن نستخلص ثلاثة آراء في نشأة التشيع كلها جاءت في كتبهم المعتمدة، وتلك الآراء باختصار هي:
الرأي الأول:
إن التشيع قديم وُلد قبل رسالة النبي (صلى الله عليه وسلم )، وإنه ما من نبي إلا وقد عرض عليه الإيمان بولاية علي. وقد وضع الشيعة أساطير كثيرة لإثبات هذا الشأن، ومن ذلك ما جاء في الكافي عن أبي الحسن قال: ولاية علي مكتوبة في جميع صحف الأنبياء، ولم يبعث الله رسولاً إلا بنبوة محمد (صلى الله عليه وسلم ) ووصية عليّ (رضي الله عنه ) [1]. وقالوا: ثبت أن جميع أنبياء الله ورسله وجميع المؤمنين كانوا لعلي بن أبي طالب مجيبـين، وثبت أن المخالفين لهم كانوا له ولجميع أهل محبته مبغضين، فلا يدخل الجنة إلا من أحبه من الأولين والآخرين فهو قسيم الجنة والنار[2]. وجاءت رواياتهم في هذا المعنى في كثير من كتبهم المعتمدة عندهم.
الرأي الثاني:
ويزعم بعضهم في القديم والحديث أن الرسول (صلى الله عليه وسلم ) هو الذي وضع بذرة التشيع، وأن الشيعة ظهرت في عصره، وأن هناك بعض الصحابة الذين كانوا يتشيعون لعليّ ويوالونه في زمن النبي (صلى الله عليه وسلم ). يقول القمي: فأول الفرق الشيعية، وهي فرقة علي بن أبي طالب المسمون شيعة علي في زمان النبي (صلى الله عليه وسلم ) وبعده معروفون بالقول بإمامته، منهم المقداد بن الأسود، وسلمان الفارسي، وأبو ذر، وعمار بن ياسر.. وهم أول من سُموا باسم (التشيع) من هذه الأمة[3]. ويقول محمد حسين آل كاشف الغطاء (ت 1373هـ): إن أول من وضع بذرة التشيع في حقل الإسلام هو نفس صاحب الشريعة، يعني أن بذرة التشيع وضعت في بذرة الإسلام[4]. جنباً إلى جنب وسواء بسواء، ولم يزل غارسها يتعاهدها بالسقي والري حتى نمت وازدهرت في حياته، ثم أثمرت بعد وفاته[5].
الرأي الثالث:
حيث يجعل تاريخ ظهور الشيعة يوم الجمل. قال ابن النديم: إن علياً قصد طلحة والزبير ليقاتلهما حتى يفيئا إلى أمر الله جل اسمه، فسمى من اتبعه على ذلك بـ (الشيعة)، فكان يقول: شيعتي، وسماهم( الأصفياء والأولياء والأصحاب)[6]. وهذا رأي انفرد به ابن النديم ويشير إلى تاريخ ظهور الشيعة بمعنى الأنصار والأتباع، وتاريخ إطلاق لقب الشيعة على أنصار علي (رضي الله عنه)، وأن علياً هو الذي لقبهم بذلك حيث يقول: "شيعتي".
ولا شك أن هذا القول لا يدل على بداية الأصول الفكرية للتشيع، فهو يعني هنا المعنى اللغوي للشيعة وهو الأنصار، ولهذا استخدم أيضاً ألقاباً أخرى تدل على ذلك كالأصحاب والأولياء، كما ثبت أن لقب " شيعتي" والشيعة كما استعمله علي قد استعمله معاوية أيضاً ( رضي الله عنه ).

ثانياً - آراء غير الشيعة في نشأة التشيع:
القول الأول:
إن التشيع ظهر بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم )، حيث وجد من يرى أحقية علي (رضي الله عنه ) بالإمامة. وهذا الرأي قالت به طائفة من القدامى والمعاصرين منهم العلامة ابن خلدون وأحمد أمين وبعض المستشرقين، وهذا القول منهم مبنيٌّ على ما نقله البعض من وجود رأي يقول بأحقية قرابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) بالخلافة بعده.
القول الثاني:
إن التشيع لعلي بدأ بمقتل عثمان ( رضي الله عنه )، يقول ابن حزم: ثم ولي عثمان، وبقي اثني عشر عاماً، وبموته حصل الاختلاف وابتدأ أمر الروافض[7]. وبمثل قول ابن حزم هذا قالت طائفة من العلماء والباحثين. والذي بدأ غرس بذرة التشيع هو عبد الله بن سبأ اليهودي[8].
القول الثالث:
ويقول بأن منشأ التشيع كان سنة 37هـ ويبدو أن هذا القول يربط نشأة التشيع بموقعة صفين، حيث وقعت سنة 37هـ بين الإمام علي ومعاوية ( رضي الله عنهما) وما صاحبها من أحداث، وما أعقبها من آثار، ولكن هذا الرأي لا يعني بداية الأصول الشيعية.
القول الرابع:
بأن التشيع وُلد إثر مقتل الحسين. يقول شتروتمان أحد المستشرقين: إن دم الحسين يعتبر البذرة الأولى للتشيع كعقيدة[9].
الرأي المختار:
والذي نراه هو أن الشيعة كفكر وعقيدة لم تولد فجأة، بل إنها أخذت طوراً زمنياً ومرت بمراحل. ولكن طلائع العقيدة الشيعية وأصل أصولها ظهرت على يد السبئية باعتراف كتب الشيعة التي قالت بأن ابن سبأ أول من شهد بالقول بفرض إمامة علي، وهذه المسألة أصبحت من أصول الاعتقاد عند الشيعة، وقد ثبت في صحيح البخاري ما يدل على أن هذه العقيدة ظهرت في وقت مبكر، وأن علياً (رضي الله عنه ) سُئل عنها وقيل له: هل عندكم شيء مما ليس في القرآن ومما ليس عند الناس؟ فنفى ذلك نفياً قاطعاً.
أما " التشيع المتوسط " والذي مضمونه تفضيل علي وتقديمه على غيره ونحو ذلك فلم يكن هذا من أحداث الزنادقة، وقد وُجد إثر مقتل عثمان ( رضي الله عنه ) ولم يأخذ مكانه في نفوس فرقة معينة معروفة. وأما السبَّابة فهم الذين يسبون أبا بكر وعمر. وأما المفضِّلة فهم الذين يفضلون علياً على أبي بكر وعمر, ولكن ما تلا ذلك من أحداث هيأ جواً صالحاً لظهور مثل هذه العقائد، وتمثُّلِها في جماعة وذلك كمعركة صفين، وحادثة التحكيم التي أعقبتها، ومقتل علي ومقتل الحسين ( رضي الله عنه ). كل هذه الأحداث دفعت القلوب والعواطف إلى التشيع لطائفة من آل النبي (صلى الله عليه وسلم ) فتسلل الفكر الوافد من نافذة التشيع لعلي وآله، وصار التشيع وسيلة لكل من أراد هدم الإسلام من ملحد ومنافق وطاغوت، ودخلت إلى المسلمين أفكار ومعتقدات أجنبية اكتست بثوب التشيع، وتيسر دخولها تحت غطائه، وبمرور الأيام كانت تتسع البدعة ويتعاظم خطرها، حيث وجد لابن سبأ خلفاء كثيرون.
ولم يكن استعمال لقب "الشيعة" في عهد علي (رضي الله عنه ) إلا بمعنى الموالاة والنصرة، ولا يعني بحال الإيمان بعقيدة من عقائد الشيعة اليوم.. ولم يكن يختص إطلاق هذا اللقب بعلي (رضي الله عنه)، ويدل على ذلك ما جاء في صحيفة التحكيم من إطلاق اسم الشيعة على كل من أتباع علي وأتباع معاوية ( رضي الله عنه ) [10].

تطور المذهب:
كانت الإمامة عند أهل البيت وعامة الشيعة تختلف في مفهومها عند الإمامية، فقد كانت إمامة عادية بشرية عند أولئك، وإمامة ربانية عند هؤلاء! وفيما يأتي استعراض سريع لأهم مراحل تطور التشيع عبر التاريخ.
في مطلع القرن الأول الهجري:
إن نظرية الإمامة الإلهية القائمة على العصمة والنص لم تكن شائعة ومعروفة في أوساط الشيعة وأهل البيت أنفسهم في زمانهم، وإنما بدأت تدب تحت الأرض في الكوفة في بداية القرن الثاني، وكان المتكلمون الذين ابتدعوها يلفُّونها بستار من التقية والكتمان. وبعد التطور الكيساني الذي حدث في صفوف الشيعة في أواخر القرن الثاني، والذي كان يقوم على نظرية الوصية من النبي (صلى الله عليه وسلم ) للإمام عليّ(رضي الله عنه)، وينقلها من بعده إلى الحَسَن والحُسين ثم إلى محمد بن الحنفية، وينقلها بعد ذلك إلى ابنه أبي هاشم عبد الله، ذلك التطور الذي أدَّى إلى تشعب الحركة الشيعية إلى عدة فرق في نهاية هذا القرن، حيث أخذ كل فريق يدَّعي الوصية عن أبي هاشم، مما أدَّى إلى حدوث صراع داخلي كبير في صفوف (أهل البيت) الذين انقسموا إلى (عباسية) و(علوية) و(طالبية) و(فاطمية) و(حسنية) و(حسينية) و(زيدية) و(جعفرية) وحدوث صراع آخر فيما بعدُ في صفوف شيعتهم وانقسامهم إلى (ناووسية) و(إسماعيلية) و(موسوية) و(فطحية) و(واقفية) و(قطعية).. ثم انقسام (الإمامية) إلى عدة فرق كلٌّ منها قالت بإمامة أحد الأئمة أو أخيه أو ابنه.
في بداية القرن الثاني الهجري:
وبعد هذا التطور، ونتيجة لما آلت إليه الشيعة من تشرذم.. بدأت تدبُّ نظرية الإمامة الإلهية القائمة على (العصمة) و(النص) تحت الأرض في الكوفة، وكان المتكلمون الذين ابتدعوها يلفُّونها بستار من التقية والكتمان. كما حدث تطور جديد آخر في صفوف فريق من الشيعة في بدايات هذا القرن تمثل في حصر الإمامة في (البيت الحُسيني) وتعيينه في واحد منهم هو (الأكبر من وِلْد الإمام السابق) وإثبات صفة (العصمة) له... وبعد تقرير ضرورة اتصاف الإمام - مطلق الإمام – بالعصمة وبالأفضلية في العلم والشجاعة والسخاء وعدم جواز إمامة غير المعصوم أو الجاهل أو المفضول - وهو ما لا يوجد طريق للتعرف عليه سوى إرشاد الله تعالى إليه - يقوم الفكر الإمامي بإسقاط (الشورى) طريقاً لاختيار الإمام، ويُحلُّ محلها (النص) أو (الوصية) أو (المعاجز الغيبية) التي تميِّز الإمام المختار من قبل الله تعالى عن غيره من البشر.
ثمَّ ينتقل الفكر الإمامي من القول بضرورة العصمـة في الإمام - مطلق الإمام - إلى ضرورة (النص عليه وتعيينه من الله) كطريق وحيد لمعرفته، فيبطل قانون (الشورى والانتخاب)، ثم يحصر الإمامة في الأئمة المعصومين من أهل البيت، بدءاً من الإمام علي بن أبي طالب والحَسَن والحُسين ثم الأئمة من ذرية الحُسين الذين نصبهم الله تعالى قادة لخلقه إلى يوم القيامة. وبعد إثبات الإمامة للحسن والحُسين يحاول الإمامية الإجابة عن سبب حصر الإمامة في ذرية الحُسين فقط، فكلاهما من العترة ومن أهل البيت ومن أولاد فاطمة وعليّ.
ويستدلَّ الفكر الإمامي على (عصمة أهل البيت) بالآية الكريمة التي تقول­: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)[11] وذلك بتفسير معنى الإرادة بالإرادة التكوينية لا التشريعية المؤكدة، حيث يستحيل أن تتخلف إرادة الله بإذهاب الرجس عنهم، وقد قال تعالى:(إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون)[12]. كما يستدل بها على إخراج نساء النبي من صفوف أهل البيت وحصرها في الإمام عليّ وفاطمة وأبنائهما.
كما حاول الإماميون الذين نشأوا في بدايات هذا القرن أن يسحبوا نظريتهم إلى الوراء ويقرؤوا التاريخ الشيعي قراءة جديدة على ضوء نظريتهم القائمة على النص وإلغاء الفكر الشيعي السياسي السابق القائم على الشورى. وبالطبع فقد نسبوا فكرهم إلى أهل البيت وادَّعوا استقاءه منهم.
وخلافاً للفكر الكيساني الذي اعتمد على وصية النبي للإمام عليّ، فقد اعتمد الفكر الإمامي بصورة رئيسة على موضوع (الغدير) ورأى فيه دلالة قوية على إرادة المعنى السياسي والنص بالخلافة.
ومـن هنا.. ونظراً لضعف النصوص التي يرويها الإمامية حول النص بالخلافة على أهل البيت فقد اعتمد المتكلمون الأوائل بالدرجة الأُولى على (العقل) في تشييد نظريتهم. وإذا كانت نظرية (الإمامة) تقدم بعض النصوص حول الإمام عليّ بن أبي طالب فإنها تعترف بعدم وجود النصوص على عدد من الأئمة الآخرين، ولذا فإنها تستعين بـ (الوصايا العادية) فتتخذ منها دليلاً بديلاً عن النص، ولكنها تفتقر بعض الأحيان حتى إلى الوصية العادية، فتقول بنظرية (المعاجز) وقيامها مقام النصوص، خاصة وأن الأحاديث التي يستدلَّ بها الإماميون على حصر الإمامة في أهل البيت – كحديث الثقلين – تشمل البيتين. وقد بنى (الجارودية) نظريتهم في جواز الإمامة في أبناء الحَسَن والحُسين على ذلك الحديث. ولذلك فقد ظل الشيعة يتساءلون عن سرِّ حصر الإمامة في ذرية الحُسين مع قيام أبناء الحَسَن بقيادة الشيعة عملياً وتفجيرهم للثورات المختلفة هنا وهناك، وقد تصدى أولاد الحَسَن للإمامة وادَّعوها لأنفسهم وذهب بعضهم إلى كون المهدي المنتظر فيهم، وكان بعض الشيعة يُفضِّل أولاد الحَسَن على أولاد الحُسين.
ومن الواضح أن هذا الجواب كان قبل تبلور النظرية (الإمامية) في القرون التالية واستنادها إلى (أحاديث) مسبقة عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) تذكر أسماء الأئمة واحداً بعد واحد. وقال (الإمامية) بامتداد الإمامة في أولاد الحُسين وذلك في الأكبر فالأكبر وعدم جواز انتقالها إلى أخ أو ابن أخ أو عم أو ابن عم، واستندوا في ذلك على آية: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله)[13] وهي نفس الآية التي استندوا عليها في نفي إمامة أبناء الحَسَن.
وبناءً على ذلك فلم تكن هناك قائمة مسبقة بأسماء الأئمة القادمين، وإنما كانت هذه القضية متروكة للزمن، وهناك أحاديث عديدة تقول­ بأن الأئمة لم يكونوا يعرفون بخَلَفَهِم من قبل، وأنهم كانوا يعلمون بذلك في اللحظات الأخيرة من حياتهم. ومن هنا فقد كان الشيعة الإمامية يسألون الأئمة السابقين عن هوية الأئمة اللاحقين ويلحون في السؤال، وكثيراً ما كان الأئمة يرفضون إخبارهم بذلك، وهناك أحاديث تصرِّح بإمكانية جهل الشيعة بالإمام وترسم لهم الموقف في ذلك الظرف.
في القرنين الثاني والثالث:
ولو ألقينا نظرة على تراث الإمامية خلال القرنين الثاني والثالث لوجدنا النظرية الإمامية مفتوحة وممتدة إلى يوم القيامة، وأنها لم تكن محصورة في (عدد محدد) من الأئمة أو (فترة زمنية خاصة)، ومع أنها وصلت إلى طريق مسدود عند وفاة الإمام الحَسَن العسكري دون أن يخلِّف ولداً تستمر الإمامة فيه، ودون أن يشير أو يوصي إلى أي أحد من بعده، فقد اعتقد الذين آمنوا بوجود ولد مكتوم له في البداية ­أن الإمامة ستسمر في ذرية ذلك الولد المخفي إلى يوم القيامة، ولم يعتقدوا في البداية أنه الإمام الأخير، ولا أن الأئمـة (أثنى عشر) فقط.
في القرن الرابع الهجري:
ونتيجة لذلك فقد شهد القرن الرابع الهجري تطوراً جديداً في النظرية الإمامية هذا التطور هو حدوث الاثنى عشرية، وهي نظرية حدثت خاصة في صفوف (الشيعة الموسوية) وخاصة الجناح المتشدد الذي كان يؤمن بقانون الوراثة العمودية بشدة ولا يقبل أي تسامح فيها، وقد قال ذلك الجناح ­بوجود قائمة مسبقة وبتحديد أسماء الأئمة من قبل الرسول – صلى الله عليه وسلم- بـ (اثني عشر إماماً) هم­: (عليّ) و(الحَسَن) و(الحُسين) و(عليّ بن الحُسين) و(محمد بن عليّ) و(جعفر بن محمد) و(موسى بن جعفر) و(عليّ بن موسى) و(محمد بن عليّ) و(عليّ بن محمد) و(الحَسَن بن عليّ)... وأن آخرهم (الإمام الغائب محمد بن الحَسَن العسكري)، وكان يستهدف من وراء ذلك إثبات وجود الإمام الثاني عشر محمد بن الحَسَن العسكري الذي كان وجوده محل شكٍّ ونقاش في صفوف الشيعة الإمامية... وقد اضطرت النظرية الاثنى عشرية إلى إلغاء التاريخ الشيعي والإمامي، وإهمال قضية الغموض في النص والوصية وحيرة الإمامية في التعرف على الإمام الجديد، وتجاوز مسألة (البداء)[14] التي حدثت مرتين في عهد الإمام الصادق والإمام الهادي، والادِّعاء بأنها كانت موجودة منذ عهد رسول الله، وذلك على الرغم من اعتراف الجميع بولادة النظرية الإمامية في مطلع القرن الثاني الهجري على أيدي هشام بن الحكم ومؤمن الطاق وهشام بن سالم الجواليقي.
كما أن تحديد هوية (الإمام المهدي) بـ (الثاني عشر من أئمة أهل البيت) كما هو معروف لدى الشيعة الاثنى عشرية اليوم قد حدث في وقت متأخر بعد وفاة الإمام الحَسَن العسكري وبعد القول بوجود ولد له في السر بفترة طويلة، أي في بداية هذا القرن تقريباً، وذلك في أعقاب تطور نظرية (الإمامة الإلهية) وتحولها من التسلسل اللا محدود إلى الاقتصار على (اثني عشر) وتكوّن الفرقة الاثنى عشرية. ومما يؤكد غموض هوية المهدي عند أهل البيت ولدى جماهير الشيعة والمسلمين في القرون الثلاثة الأولى هو تكرر دعوات المهدوية هنا وهناك. حتى جاوزت العشرات، وحتى أصبح لكل فرقة وطائفة أكثر من مهدي واحد.

في القرن الخامس الهجري:
وقد كان فتح باب الاجتهاد أخيراً في مطلع هذا القرن خطوة كبيرة للخروج من الأزمة وملء الفراغ التشريعي الذي حدث للشيعة الإمامية بعد وفاة الإمام الحَسَن العسكري وغيبة (أو افتقاد) الإمام الثاني عشر، وقد أدَّى إلى التحرر من نظرية (التقية والانتظار) وإعادة النظر في كثير من أبواب الفقه المعطلة بسبب نظرية (الغيبة)، وملاحقة التطورات والإجابة على المسائل الحادثة، كما أدَّى إلى حدوث تطورات جذرية في الفكر الإمامي والتخلي عن اشتراط العصمة والنص والسلالة العلوية الحُسينية في الإمام، والقول بجواز الحكومة لغير المعصوم أو وجوبها، واستنباط نظرية (ولاية الفقيه) وغيرها من النظريات التي أعادت الشيعة إلى مسرح الحياة.
في القرن العاشر الهجري:
وعندما أراد الصفويون في هذا القرن التحرك العسكري لإقامة دولة خاصة بهم وجدوا نظرية الانتظار غير معقولة ولا واقعية وتشكل حجر عثرة أمام طموحهم وتحركهم. وعلى الرغم من أنهم كانوا منذ فترة قد أعلنوا التمسك بالمذهب الإمامي الاثنى عشري، إلا أنهم في الحقيقة لم يستوعبوا نظرية (الإمامة الإلهية) التي تشترط العصمة والنص في الإمام، وحولوها إلى نظرية تاريخية ورفضوها عملياً، حيث أجازوا لزعمائهم (وهم غير معصومين ولا منصوص عليهم من الله) أن يستولوا على الملك ويقوموا بمهام الإمامة.
إنَّ بروز التجربة الصفوية كان نتيجة الفراغ السياسي الذي كان يهيمن على الشيعة في ظل نظرية الانتظار السلبية الانعزالية في تلك الأيام، وهذا ما دلَّ على تطور نظرية (النيابة العامة) في القرن الثالث عشر الهجري من إجازة الملوك إلى تصدي الفقهاء بأنفسهم للحكم، وتجاوز نظرية (الانتظار) والتخلي عنها تماماً..
في القرن الثالث عشر الهجري:
حيث تطورت نظرية (النيابة العامة) في هذا القرن من إجازة الملوك إلى تصدي الفقهاء بأنفسهم للحكم، وتجاوز نظرية (الانتظار) والتخلي عنها تماماً..

في العصر الحديث:
وأخيراً.. إذا ألقينا نظرة شاملة على مسيرة الفكر السياسي الشيعي خلال ألف عام، منذ وفاة الإمام الحَسَن العسكري والقول بوجود ولد له في السر.. نجد أن هذا الفكر قال في القرون الأُولى بنظرية (التقية والانتظار) كلازمة من لوازم نظرية (الإمامة والغيبة) التي كانت تحرِّم إقامة الدولة أو الثورة أو ممارسة أي نشاط سياسي إلا بقيادة (الإمام المعصوم المعين من قبل الله تعالى) وهو ما أدَّى إلى انسحاب الشيعة من المسرح السياسي والانعزال التام.. ثم تراجع الفكر الإمامي عن هذه النظرية تدريجياً وقال بنظرية (النيابة العامة) التي طورها الفقهاء بعد ذلك بقرون إلى نظرية (ولاية الفقيه) والتي تخلَّوا فيها عملياً عن (النظرية الإمامية)، حيث أجازوا إقامة الدولة بدون اشتراط العصمة أو النص أو السلالة العلوية الحُسينية في (الإمام المعاصر) وهو ما أدَّى إلى قيام الشيعة في العصر الحديث بتأسيس (الجمهورية الإسلامية) في إيران[15].
المرحلة الأخيرة:
وقد انحصرت الفرق الشيعية المعاصرة بثلاث فرق هي:
1. الاثنى عشرية:
وطائفة الاثنى عشرية هي أكبر الطوائف اليوم، كما كانت تمثل أكثرية الشيعة وجمهورها في بعض فترات التاريخ، فقد وصفها طائفة من علماء الفرق بـ "جمهور الشيعة".
وفيما يأتي بعض ما يتعلق بهذه الفرقة:
اعتقادهم في القرآن الكريم (كما أفادته أمهاتُ كتبِهم ومصادرُهم المعتمدة!!) بأنه قد غُيّر وحُرِّف وزيد فيه وأُنقص منه وأن للقرآن معاني باطنة تخالف الظاهر، وأنه ليس بحجة إلا بقيم، والقيم هو الإمام، وأن الأئمة اختُصُّوا بمعرفته لا يشركهم فيه أحد، وأن قول الإمام ينسخ القرآن ويقيد مطلقه ويخصص عامه، وأن قول الإمام كقول الله ورسوله، وأن علمه يتحقق بطريق الإلهام والوحي!! وأن الله تعالى خزن العلم عند الأئمة، وأن مروّيات الصحابة غير مقبولة عندهم، فالسنة عندهم هي ما رواه الأئمة فقط دون غيرهم!! كما قالوا بأن الحجة في قول إمامهم لا في الإجماع، وأن ما خالف الأُمة ففيه الرشاد، وأن الولاية للأئمة هي أصل قبول الأعمال عندهم.. كما أوَّلوا نصوص التوحيد وجعلوها في ولاية الأئمة، وقالوا بأن لا هداية للناس إلا بالأئمة، وأن الدعاء لا يقبل إلا بأسمائهم والاستغاثة بهم، فأدى ذلك بهم إلى اتخاذ قبورهم قبلة كبيت الله، كما قالوا بأن الإمام يحرِّم ما يشاء ويُحلل ما يشاء!! وأن الرب هو الإمام!! وأن الدنيا والآخرة كلها للإمام يتصرف بها كيف يشاء!! وأسندوا الحوادث الكونية إلى الأئمة!! وقالوا بأن القرآن مخلوق ووصفوا الأئمة بأسماء الله تعالى وصفاته، وفضلوهم على الرسل، كما تفردوا بأصول ومعتقدات أخرى غير الإمامة، وحصروا الأئمة بعدد معين، وحكموا على من أنكر إمامة أحد الاثنى عشر بالكفر وإحباط العمل بمن فيهم جمهور الصحابة وأهل البيت من غير الاثنى عشر!!! بل بلغ بهم الأمر إلى تكفير خلفاء المسلمين، وحكمهم على الأمصار الإسلامية بأنها دار كفر، وعدهم قضاةَ المسلمين طواغيتَ وحكامَ جور، واعتبارهم أئمة المذاهب الأربعة وأئمة المسلمين كملل أهل الشرك!! ولعنهم وتكفيرهم للفرق الإسلامية كلها ما عدا طائفتهم، ولعنهم وتكفيرهم للأمة كلها!!! واعتمادهم على مبدأ التقيـة، وأنها في الأصل عندهم هي (أي التقية) مع المسلمين، واعتقادهم بمهدية الثاني عشر الغائب ورجعته بعد حين غير معلوم، واعتقادهم بالبـداء وأنه من أصولهم، وكذا الطينة.... هذه ـ باختصار شديد ـ بعض عقائدهم[16].
2. الإسماعيلية:
وهم الذين قالوا: بأن الإمام بعد جعفر هو إسماعيل بن جعفر، ثم قالوا بإمامة محمد بن إسماعيل بن جعفر، وأنكروا إمامة سائر ولد جعفر، ومن الإسماعيلية انبثق القرامطة والحشاشون والفاطميون والدروز وغيرهم. وأما مذهبهم فهو كما يقول الغزالي وغيره: إنه مذهب ظاهره الرفض وباطنه الكفر المحض. أو كما يقول ابن الجوزي: فمحصول قولهم تعطيل الصانع وإبطال النبوة والعبادات وإنكار البعث.
ولهم مراتب في الدعوة إلى مذهبهم، حيث لا يظهرون هذا في أول أمرهم، أما حقيقة المذهب لا تعطى إلا لمن وصل إلى الدرجة الأخيرة.
3. الزيدية:
وهم أتباع زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وسُمّوا بالزيدية نسبة إليه، وقد افترقوا عن الإمامية حينما سُـئل زيدٌ عن أبي بكر وعمر فترضى عنهما فرفضه قوم فسُمُّوا رافضة. وسُمّي من لم يرفضه من الشيعة (زيدية)؛ لاتِّباعهم له. وذلك في آخر خلافة هشام بن عبد الملك.
والزيدية فرق: منهم من لم يحمل من الانتساب إلى زيد إلا الاسم فهم روافض في حقيقة أمرهم ويقولون: إن الأمة ضلت وكفرت بصرفها الأمر إلى غير علي، وهؤلاء هم الجارودية – أتباع أبي الجارود - ومنهم من يقترب من أهل السنة كثيراً وهم أصحاب الحسن بن صالح بن حي الفقيه القائلون بأن الإمامة في وِلْد علي (رضي الله عنه ). يقول ابن حزم: إن الثابت عن الحسن بن صالح هو أن الإمامة في جميع قريش، ويتولون جميع الصحابة إلا أنهم يفضلون علياً على جميعهم.

التشيع في العراق وانتشاره:
إن ازدهار التشيع في أوائل القرن العشرين الميلادي وحتى العقد الأخير منه مر بعدة مراحل وكأنه مخطط تظافرت الجهود (الإيرانية – الأمريكية – البريطانية - الفرنسية – العثمانية) لإنشائه في المنطقة.
بدأ نشاط التشيع في حركتين للعشائر والقبائل، منها حركة استيطان العشائر البدوية وممارستها الزراعة وتحولها فيما بعد إلى التشيع، وحركة الهجرة الكبيرة من الأرياف إلى المدن الكبرى وبخاصة بغداد والبصرة بعد أن استعصت على نشر التشيع الشعوبي فيهما. وكانت كبريات حركات الهجرة من المناطق الجنوبية، وبخاصة من سكان الأهوار (البطائح) ويطلق عليهم: (المِعْدان) والقسم الآخر يطلق عليهم: (الشروگِية). هذا ما يصوره المؤرخون لهذه الفترة دون أن يذكروا عملية التحول العقائدي التي رافقت هذه الأحداث، فبنُو تميم تشيعت عام (1809) والخزاعل عام (1719) والزبيد عام (1809) وكعب عام (1769) وربيعة عام (1799).
وقد كان النزح بسبب سوء الأحوال الاجتماعية والاقتصادية وتحلل النظم الاجتماعية العشائرية السابقة وسياسة الحكومات المتعاقبة التي أدت إلى إفقار الفلاحين والإجحاف بحقهم، وضعف علاقتهم بأرضهم؛ لأنهم من أصول بدوية، وكذلك بسبب تكرار حالات الفيضانات وملوحة التربة وجفاف فروع الأنهار وافتقار الريف إلى المؤسسات الثقافية والصحية والاجتماعية مقابل توفر المصانع والمنشآت المهمة وفرص العمل في المدن الكبرى.
وتكونت في بغداد مناطق للنازحين أُطلق عليها (الصرائف) بُنيت من الطين والصفيح، وكانت في بغداد (16413) صريفة موزعة على تسع مناطق تضم (92173) نسمة أقيمت على مواقع كانت بلدية بغداد تستخدمها كمدفن للنفايات، حيث انطلقوا من تلك الصرائف للبحث عن العمل والانخراط في الحياة المدنية شيئاً فشيئاً. ثم قامت الحكومة بتوزيع أراضي صغيرة بمساحات تتراوح ما بين (60 – 100 م2)، كما وزعت قروضاً من البنك العقاري لبناء هذه المناطق (كما في الثورة والشعلة).

الشيعة بعد الخميني ومنهجهم في نشر المذهب:
قامت الدولة الشيعية بعد الخميني على أساس العقيدة، وافترضت وجود ركام قرون من المظلومية، فانطلقت من هذا الركام مع توفر إمكانات مسخرة لنشر المذهب في استراليا وأفريقيا وأوربا... أدت إلى فتح مراكز ثقافية وأخرى صحية في السودان وكينيا ونيجيريا... وإعطاء المساعدات والمنح الدراسية، كما ركبوا موجة التقريب ودعوى أنْ لا فرق بين الشيعة والسنة، فبدءوا من خلال ذلك – وبأساليب خبـيثة - بالتشكيك بالصحابة وخلافهم وطرح فضائل الإمام، كما قاموا بطبع ونشر وتوزيع كتب مثل (المراجعات)، (ثم اهتديت)، (لأكون مع الصادقين) وغيرها من الكتب وبكميات هائلة على مستوى الأفراد والجماعات والهيئات للتبشير بالمذهب وبأساليب ماكرة وخبيثة، كما رشحوا الشيعة للعمل في اليمن والسودان، وفعَّلوا الدور الإيراني في كل من أفغانستان وباكستان والعراق والخليج والشام... باختصار فقد كان لرجال السياسة والدين الإيرانيين بعد الخميني نشاطات متعددة على كافة الأصعدة، وخاصة السياسية منها والاستخباراتية والدعائية والثقافية.
-----------------------------
[1]- [الكليني / أصول الكافي 1/437]
[2]- [الكاشاني / تفسير الصافي 1/16]
[3]- [المقالات والفرق ص 15]
[4]- [لاحظ أن هذا اعتراف منه بأن بذرة التشيع غير بذرة الإسلام]
[5]- [أصل الشيعة/ ص43]
[6] - [ابن النديم/ الفهرست ص175]
[7] [الفصل 2/8]
[8] [عبد الله بن سبأ هو رأس الطائفة السبئية التي كانت تقول بألوهية علي ورجعته وتطعن في الصحابة... وأصله من اليمن وكان يهودياً يتظاهر بالإسلام].
[9]- [دائرة المعارف الإسلامية 14/59]
[10]- ومن أراد المزيد في هذا الصدد فليراجع كتاب أصول مذهب الشيعة الإمامية الاثنى عشرية للدكتور ناصر بن عبد الله القفاري، والمصادر التي اعتمد عليها.
[11] الأحزاب (33).
[12] يس (82)
[13] الأنفال (75).
[14] لو كان هناك تعريف لمصطلح البداء وما هي المرتان التي حصلت فيها البداء
[15] وللاستزادة في هذا الباب يراجع كتاب تطور الفكر السياسي الشيعي.. من الشورى إلى ولاية الفقيه الأُستاذ أحمد الكاتب، والمصادر التي اعتمد عليها.
[16] ومن أراد المزيد فليراجع كتاب أصول مذهب الشيعة الإمامية الاثنى عشرية للدكتور ناصر بن عبد الله القفاري، والمصادر التي اعتمد عليها.

البداء عند الشيعة فكرة يهودية مستوردة



البداء عند الشيعة فكرة يهودية مستوردة


المتتبع لأحوال الشيعة يرثي لما هم عليه، فهاهم مشايخهم يربونهم بالأماني، ويعدونهم بالشيء ليسكنوهم ويدخلوا عليهم السرور، تمامًا كما يعد الأب المعدم ابنه بشراء ما طلبه منه، ويبتسم في وجهه ويجفف دموعه، وهو يعلم في نفسه أن هذا لن يكون.
وموضوع البداء من الموضوعات التي ضحك أئمة وعلماء الشيعة على عوامهم فيها، من خلال التأليف واختلاق القصص والأخبار والروايات عن قرب ظهور المختفين من أئمتهم الذين ينتظرونهم.
والبداء في اللغة: الظهور، كما يُقال: بدا له سور المدينة، ويأتي بمعنى العلم بالشيء بعد أن لم يكن حاصلًا، ويُقال أيضًا: بدا له رأي؛ أي: نشأ له رأي جديد.
ففي القاموس "بدا" وبَدوا, وبُدوا, وبَداءَة: ظهر، وبدا له في الأمر بَدوا وبَدَاء وبداة: نشأ له فيه رأي, فالبداء في اللغة ـ كما جاء في القاموس ـ له معنيان:
الأول: الظهور والانكشاف، والثاني: نشأة الرأي الجديد، وكلا المعنيين ورد في القرآن, فمن الأول قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة: 284]، ومن الثاني قوله سبحانه: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآَيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} [يوسف: 35].
والبداء بهذين المعنيين لا تجوز نسبته إلى الله عز وجل؛ لأن البداء يستلزم سبق الجهل وحدوث العلم، وكلاهما محال على الله عز وجل, لأن علمه تعالى أزلي وأبدي، لكن الشيعة ذهبوا إلى أن البداء متحقق في الله عز وجل, تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا.
ويعتقد الشيعة أن من مَحَاسِن الاعتقاد بالبَدَاء، أنه لو اعتقد الإنسان أن من الناس من كُتِب في السُعَداء فلن تتبدل حاله ولن يُكتب في الأشقياء، ومنهم من كُتِب في الأشقياء فلن تتبدل حاله ولن يُكتب في السُعَداء، وأنه قد جفَّ القلم بما جرى لكل إنسان، عندئذٍ لا يتوب العاصي من معصيته، بل يستمر في ما هو عليه، لاعتقاده بأن الشقاء قد كُتب عليه ولن تتغير حاله، وهذا رأي فاسد، فالتوبة معروفة عند أهل السنة، وحسن الظن بالله مدعو له ومؤكد، وأحاديث خاتمة الأعمال مشهورة، وكلها تنقض كلام الشيعة المتهالك.
والبداء من العقائد الباطلة التي ابتدعها اليهود، وافتروها في دينهم، فهم يكذبون على الله عز وجل ويقولون: إنه يبدو له الشيء فيغير ما كان قد سبق له تقديره، تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا، وقد استورد الشيعة هذه العقيدة بدافع الحاجة؛ إذ أن من أصوله أن الإمام يعلم الغيب، فكانت أخبار أئمتهم ترِد ببشارة قريبة، أو نصر متوقع، أو ظهور للمهدي، فيتخلف الوعد، ولا يحصل المأمول، فيعتذر الإمام بأن الله قد بدا له شيء فغير أمره، أما الإمام فقد أخبر على نحو ما كان قبل البداء.
ولهذا لما توفي إسماعيل بن الإمام جعفر الصادق في حياة أبيه، وقد كان أبوه عينه على أنه الإمام من بعده، نسبوا إلى الإمام جعفر أنه قال: (ما بدا لله في شيء كما بدا له في ابني إسماعيل، إذ اخترمه قبلي، ليعلم أنه ليس بإمام بعدي) [الاعتقادات في دين الإمامية، ابن بابويه، ص(41)].
لكن من الشيعة من لم يقبل هذا التعليل، ولم تنطل عليه الحيلة، ولم يقبل أن يتغير الإمام؛ فانشقوا عن أصحابهم، وتوقفوا على إسماعيل، وزعموا أنه المهدي، ولم تكن هذه المرة الأخيرة التي يخطئ فيها خبر المعصوم، ويعين الإمام ابنه المنصوص عليه بزعمهم من الله عز وجل، ثم يموت الولد المعين، قبل موت أبيه الإمام، فقد حصل أن مات محمد بن علي التقي الإمام العاشر، وقد كان أبوه عينه هو الإمام من بعده، فعن أبي هاشم الجعفري قال: (كنت عند أبي الحسن عليه السلام بعد ما مضى ابنه أبو جعفر، وإني لأفكر في نفسي أريد أن أقول: كأنهما ـ أعني أبا جعفر وأبا محمد ـ في هذا الوقت كأبي الحسن موسى وإسماعيل ابني جعفر ابن محمد عليهم السلام، وإن قصتهما كقصتهما، إذ كان أبو محمد المرجى بعد أبي جعفر عليه السلام، فأقبل عليَّ أبو الحسن قبل أن أنطق فقال: نعم يا أبا هاشم، بدا لله في أبي محمد بعد أبي جعفر ما لم يكن يُعرف له، كما بدا له في موسى بعد مضي إسماعيل ما كشف به عن حاله، وهو كما حدثتك نفسك وإن كره المبطلون، وأبو محمد ابني الخلف من بعدي، عنده علم ما يحتاج إليه ومعه آلة الإمامة) [الكافي، الشيخ الكليني، (1/327)].
ويروون أن هذه العقيدة التي تنسب الجهل إلى الله عز وجل، هي من تعظيم الله عز وجل، ففي رواياتهم: (ما عُبد الله بشيء مثل البداء)، و(ما عظم الله بشيء بمثل البداء) [الكافي، الشيخ الكليني، (1/146-148)].
وقد كثر التترس بهذه العقيدة في موضوع المهدي، إذ تكررت البشارات بظهوره، واقتراب الفرج بخروجه، ولكن يأبى الله الذي لا يُطلع على غيبه أحدًا إلا تكذيب هذه الدعوات، ومع ذلك فلا حرج على الإمام، فإنه كان قد اطلع على اللوح المحفوظ فأخبر صادقًا بما سيقع، لكن الله بدا له؛ فمحا وأثبت.
وكانت البشارات تُضرب لآجال قريبة في بادئ الأمر، ثم زيد في المدة، فعن أبي حمزة الثمالي قال: (سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: يا ثابت: إن الله تبارك وتعالى قد كان وقت هذا الأمر في السبعين، فلما أن قُتل الحسين صلوات الله عليه اشتد غضب الله تعالى على أهل الأرض، فأخره إلى أربعين ومائة، فحدثناكم فأذعتم الحديث فكشفتم قناع الستر، ولم يجعل الله له بعد ذلك وقتًا عندنا، ويمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) [الكافي، الشيخ الكليني، (1/368)].
وتكرر هذا الأمر، وطالت الحسرة على هؤلاء الذين ينتظرون الفرج، واشتد يأسهم، وتكرر إخلاف أئمتهم، فيموت أحدهم أسفًا قبل أن يدركه الموت ويُدفن في حفرته، وقد قضى عمره ينتظر المهدي، لينتقم وينتصر، ويشفي الصدر، لكنه لا يدرك إلا الغم والنكد، ولا يلقى من انتظاره إلا حرقة الانتظار.

تجديد المفاتيح بشكل دائم ومستمر باذن الله تعالى