هل باتت ولاية الفقيه في إيران على كف عفريت؟!



هل باتت ولاية الفقيه في إيران على كف عفريت؟!


الصراع الحالي في إيران ليس صراعا بين تيارين أيديولوجيين متعارضين أحدهما يحمل فكرا غربيا منفتحا معارضا للثورة " الإصلاحيين" وآخر يحمل فكرا إسلاميا شيعيا منغلقا وكل همه الحفاظ على هذه الثورة " المحافظين "، كون المشرب واحد والسيرة واحدة لكلا الفريقين المتنازعين.
فالفريقان تخرجا من مدرسة فكرية واحدة، ويحملان نفس الفكر والعقيدة، وكلاهما يزايد على الآخر من حيث التمسك بأفكار الثورة الخمينية، والأمن القومي، واستقرار الجمهورية "الإسلامية" وعمودها الفقري "ولاية الفقيه"، ويرفع شعار رفاهية الشعب الإيراني، وكلاهما يسعي نحو إيران قوية سياسيا واقتصاديا وعسكريا ونوويا. وبمعنى آخر فإن الطرفين المتصارعين هما وجهان لعملة واحدة، والصراع بينهما هو من قبيل " صراع العقارب " -كما شبهت ذلك المعارضة الإيرانية في الخارج، ويأتي ذلك الصراع في إطار الاحتجاج على استئثار أحد الأطراف بقيادة الدولة الإيرانية- وهو هنا المرشد العام علي خامنئي- دون غيره، وأيضا في إطار التنافس حول من هو الأكفأ لتحقيق الأهداف التي قامت من أجلها ثورة الخميني.

جذور الأزمة الإيرانية

وصل علي خامنئي إلى موقع مرشد الجمهورية " الإسلامية " أعلى منصب رسمي في إيران، بعد وفاة قائد الثورة ومؤسس الجمهورية الإيرانية الحالية، آية الله الخميني عام 1989.
وقد تم تعيينه في هذا المنصب من خلال وصية مثيرة للجدل نسبت للإمام الخميني، باعتباره الولي الفقيه نائب الإمام الغائب المعصوم، الذي اختفى في سرداب سامراء في القرن الثالث الهجري، رغم كون خامنئي، عشية وفاة الخميني لم يكن جامعا للشرائط التي تصبغ عليه صفة المجتهد أو المرجع، أي لم يكن من ثم هو الأحق بمنصب الولي الفقيه، لكنها السياسة هي التي جاءت به تحت عنوان الشرعية الثورية، التي حكمت إيران. وهكذا أعطي خامنئي صفة المرشد، ولم يكن ممكنًا تسميته مرجعًا، فلكل من هذين الموقعين مواصفات مختلفة.
ويعتقد كثيرون في النظام الإيراني أن انتساب السيد علي خامنئي إلى آل البيت هو الذي أهّله لأن يكون خليفة للإمام الخميني عام 1989 (عمة سوداء)، رغم وجود العشرات من الفقهاء الأكثر منه علماً واجتهاداً وتقليداً ومرجعية، في إيران آنذاك، كالشيخ حسين منتظري، وأيضا الأبرز منه سياسياً وجماهيرياً وقرباً من الإمام الخميني كالشيخ هاشمي رفسنجاني.
وفضلا عن ذلك، وعلى الرغم من أن علي خامنئي كان أحد العلماء الذين أعتمد عليهم آية الله الخميني في الوصول إلى السلطة عام 1979، ورغم كونه عند توليه منصب المرشد لم يكن بعيدا عن السلطة وشئون الحكم، إذ سبق له أن تولى منصب رئاسة الجمهورية لفترتين رئاسيتين متتاليتين في حياة خميني ( 1981 - 1989)، فإن شخصية علي خامنئي المرشد الجديد، لم تكن مثل شخصية الإمام آية الله الخميني، ولم يكن يملك كاريزما آية الله الخميني وقوته للسيطرة على المؤسسة الدينية، وهو لهذا وذاك قد اعتمد على كل من وزارة المخابرات والحرس الثوري. وفي نفس الوقت أقام بيروقراطية قوية موالية له يتحكم من خلالها في كافة مفاصل أجهزة الدولة ومؤسساتها.
وللحفاظ على السلطة عمل هذا المرشد على أحدث توازن بين الحرس الثوري ووزارة المخابرات، ليعطي ثقلا للمؤسسات الأمنية، وأضفى على الحرس الثوري ووزارة المخابرات قوة تمتد إلى خارج المؤسستين. وادخلهما في العملية السياسية والاقتصادية، ليشكلا قاعدة قوية للمنافسة. فالحرس الثوري يشرف على المشروع النووي وصناعة الصواريخ، ولديه بنوك وشركات نفط ومؤسسات أشغال عامة ومؤسسات خيرية، تعمل داخل إيران وخارجها.


رئيس مناسب للمرشد

وقد نجح المرشد علي خامنئي في قيادة إيران إلى بر الأمان بعد وفاة خميني، إلا أن هذا التطور الجديد -وهو هيمنة خامنئي على الشرطة وعلى مؤسسات القرار مثل مجلس صيانة الدستور وعلى رئاسة البرلمان وإعطائه دور أكبر للمؤسسة العسكرية في الحياة العامة وخاصة الحرس الثوري- قد ساهم شيئا فشيئا من إثارة هواجس القيادات الدينية والسياسية في إيران من تحول هذا الجهاز الأمني، إلى جهاز شبيه بجهاز الشاباك في العهد الشاهنشاهي، ومن رحم هذه الهواجس -وهواجس أخرى غيرها- خرج ما يسمى بـ " التيار الإصلاحي"، الذي تزعمه محمد خاتمي الرئيس الإيراني السابق، وهو حجة الإسلام وابن أحد الآيات وأحد الذين شاركوا في الثورة وكان مرضيا عنه أيام الخميني حيث عينه وزيرا للثقافة والتوجيه الإسلامي عام 1982 -وهو بالمناسبة زوج ابنة الإمام الخميني.
ولمواجهة تنامي قوة وشعبية هذا التيار الإصلاحي المعارض في إيران ومطالبة زعمائه بتفعيل دور رئيس الجمهورية المنتخب، وبزيادة صلاحياته، خاصة بعد تجربة زعيم التيار الإصلاحي (محمد خاتمي) في رئاسة الجمهورية لفترتين متتاليتين مدة كل منهما أربع سنوات (1997- 2004) دون أن يكون له صلاحيات حقيقية تعكس مركز ومكانة هذا المنصب الكبير الذي يعتبر من يشغله هو الرجل الثاني في إيران -نظريا على الأقل- بعد المرشد العام، فقد سعى المرشد العام للجمهورية الإيرانية لكي يقطع الطريق عليهم، إلى السيطرة على رئاسة الجمهورية التي يطمح الإصلاحيون في الاستئثار بها ومن ثم الوقوف من خلالها في وجه قوة المرشد.
ووفقا للتوجه الجديد من قبل المرشد فقد أريد لمن يتولى منصب رئاسة الجمهورية، أن يكون منسجما مع المرشد العام، إن لم يكن أداة طيعة بيده، ولكن بما يحقق طموح ورغبة من يقبل أن يكون كذلك من عشاق السلطة والسياسة، وذلك طبقا لنظرية " الرجل المناسب لي في المكان المناسب له". وهي نظرية مألوفة ومطبقة في الكثير من البلدان ذات الأنظمة المستبدة سواء كانت ملكية أو جمهورية وخاصة في منطقتنا العربية.
وهذا ما تجسد بالفعل من خلال الرئيس أحمدي نجاد الذي وصل إلى سدة الحكم بدعم من علي خامنئي والحرس الثوري بانتخابات "مدبرة" أجريت في العام 2005، بإشراف أجهزة ومؤسسات سلطوية تخضع مباشرة للتيار المحافظ، وأعيد انتخابه بدعم من المرشد والحرس الثوري أيضا في 12يونيو2009، والتي كانت نتائجها سببا رئيسيا للأحداث الجارية في إيران في الوقت الراهن.

ترسيخ الديكتاتورية العسكرية

وكان أحمدي نجاد بعد أن تولى مقاليد الرئاسة في إيران قد أعطى دور أكبر للمؤسسة العسكرية، وخاصة الحرس الثوري، حامي حمى الثورة الإيرانية، والحارس الأمين عليها، والمنوط به تصديرها، وعصب النظام الحالي بملايين المسلحين وأحدث الأسلحة، فعزز نجاد من سيطرة هذا الجهاز أمنيا واقتصاديا، وامتدت هذه السيطرة لتشمل كل مواقع القرار والسلطة في إيران، تحت شعار "أحياء الثورة الخمينية" والعودة إلى إستراتيجية تصديرها للخارج، وذلك على حساب نفوذ المؤسسة الدينية، الأمر الذي جعل هذا الجهاز الأمني يكثف من نشاطاته العسكرية، بل وينخرط في الأنشطة التجارية، وبيع النفط لحسابه وشراء كل شيء لحسابه، وبيعها في الأسواق، في السنوات الماضية، وذلك من أجل أن يلبي الإنفاق الضخم على برامجه التسلحية وصناعة الصواريخ. إلى جانب تلبية نفقات الاستعراضات العسكرية وتجارب الصواريخ التي تحمل أسماء لها دلالات دينية، والتي هي أساسا رسالة موجهة للداخل والخارج، مفادها خلق انطباع بأن هذه القوة العسكرية الإيرانية تتطور بشكل لم يسبق له مثيل.
وما يجري حاليا في إيران من مظاهرات وأعمال شغب على خلفية نتائج الانتخابات الإيرانية التي جرت مؤخرا، ليست معارضة لنظام الثورة، ولا من اجل المطالبة بحريات اكبر وانفتاح على دول الجوار الإقليمي، وبرامج سياسية مختلفة داخليا وخارجيا. وهي ليست موجهة ضد الرئيس أحمدي نجاد بذاته، وإن كانت الانتقادات والكلمات البذيئة موجهة لأم رأسه، فأحمدي نجاد، إنما يتحرك في الخط الذي رسمه له المرشد العام. وهجوم نجاد على رفسنجاني مؤخرا واتهامه وعائلته بعدم النزاهة أمام وسائل الإعلام، تم بموافقة مرشد الجمهورية علي خامنئي.
وعلى ذلك يمكن القول أن الاحتجاجات الحالية موجهة ضد المرشد أو الولي الفقيه، أكبر رأس في الجمهورية الإيرانية والقابض -أمنيا وبيروقراطيا- على أَزِمَّة السلطة الحقيقية فيها.
وقد أكد المرشح الخاسر محسن رضائي، القائد الأسبق لحرس الثورة، الذي سحب شكواه بخصوص نتائج الانتخابات أن ما يجري لم يعد قضية انتخابات رئاسية، إنما هو أبعد من ذلك بكثير، في إشارة مباشرة إلى أن المقصود هو موقع «الولي الفقيه»، وأن نتائج الانتخابات ما هي إلا واجهة لمعركة أكبر يحركها الإصلاحيون ضد التيار المحافظ.
ولكون رضائي محسوب على المحافظين، ولم يكن دخوله الانتخابات الرئاسية بهدف الفوز، وإنما بهدف تشتيت الأصوات على مير حسين موسوي، كما قال المحللون السياسيون، فقد رأى البعض أن هذا التصريح يأتي في إطار الخطاب الإعلامي الرسمي لمواجهة الأزمة القائمة، ولتبرير قمع المظاهرات والبطش بالجماهير من قبل الحرس الثوري. هذا الجهاز الأمني الرهيب الذي خرج من موقعه كقوة لحماية النظام، تحت شعار حماية الجمهورية ومبادئ الثورة الإسلامية.


صراع الأخوة الأعداء

ذلك أن الخلاف الحقيقي هو بين علي أكبر هاشمي رافسنجاني رئيس مجلس الخبراء، الممثل للصف الديني، وبين قيادة الجمهورية الإسلامية التي يمثلها المرشد علي خامنئي، المستند إلى قوة المؤسسة العسكرية والأمنية الضاربة. وهو الخلاف الذي بدأ منذ وصول نجاد إلى السلطة في عام 2005، متغلّباً على رفسنجاني المنافس الرئيسي في تلك الانتخابات، بعد حصول نجاد على دعم وتأييد المرشد، الذي كان قد مل من قوة هاشمي رافسنجاني، وكان ترجيحه لكفة نجاد في منصب رئاسة الجمهورية على حساب رفسنجاني الذي يدعي الفضل عليه، صفعة قاسية لهذا الأخير، ومفاجأة مدوية ما زالت آثارها تتفاعل حتى اليوم.
ويرى المحللون أن هاشمي رفسنجاني هو الذي أعطى الضوء الأخضر للإصلاحيين لتحدي المرشد الأعلى، أي لتجاوز أحد أهم الخطوط الحمراء التي كانت مقدسة في السابق في إيران، لتأخذ المعركة التي كانت خفية بينهما طابعا علنيا مكشوفا، لم يعرف له مثيل من قبل.
فرفنسنجاني المعروف بانتهازيته وبنظرته البراجماتية، والذي ركب موجة الشارع الإيراني الثائر وتحالف مع كبار الإصلاحيين، وهو المعتبر من المحافظين - يسعى بما يملكه من قدرات مالية ونفوذ سياسي يتمثّل في رئاسته لكل من مجلس خبراء القيادة، ومجلس تشخيص مصلحة النظام، وهما من أهم مؤسسات الدولة والنظام السياسي، في إيران، يسعى لتحجيم مكانة المرشد وتهميش دوره، -دون إزاحته من الواجهة بطبيعة الحال- وذلك بالتعاون مع بعض الآيات ورجال الدين في المؤسسة الدينية وخاصة في "حوزة قم" بما تملكه من ثقل روحي ومعنوي، والتي نجح فريق رفسنجاني -موسوي- خاتمي، في اختراقها، وفي استمالة مرجعيات كبرى فيها مثل آية الله منتظري وصانعي، وغلبا كياني، وزنجاني، والذين تم تأليبهم من خطر لجوء خامنئي إلى العسكر الذين سيسيطرون على الثورة الإسلامية مباشرة. وهذا إضافة إلى انضمام الخاسرين الآخرين وخاصة مهدي كروبي إلى المنددين بنتائج الانتخابات. بل وصلت الاختراقات -وإن في نطاق محدود جدا- إلى الحرس الثوري ذاته، وهو المصنع الذي أنتج كل من مير حسين موسوي واحمدي نجاد، اللذَيْن تنافسا على منصب رئاسة الجمهورية في الانتخابات الأخيرة.


رأس خامنئي على المحكّ

واتهم مير حسين موسوي المعترض على فشله في الانتخابات اتهم المرشد الأعلى، من دون أن يسميه، بتهديد أسس الجمهورية الإسلامية، والعمل على فرض نظام سياسي جديد، وهو انتقاد لم تجرؤ أي شخصية سياسية من قبل على توجيهه الى خامنئي.
وفي الوقت نفسه فإن المرشد علي خامنئي الذي يعتبر القوة الرئيسية في البلاد والذي يعتبر عمليا المشرف الأكبر على الجيش والشرطة والحرس والباسيج وأنصار "حزب الله" والقضاء والإذاعة والتلفزيون، يسعى -وأيضا بمساعدة بعض الآيات وعلى رأسهم آية الله مصباح اليزدي، الأب الروحي لأحمدي نجاد، والمتطلع لوراثة خامنئي- يسعى لتعزيز دور المرشد العام كقطب في نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وعدم المس بصلاحياته، ولو أدى ذلك إلى الارتماء أكثر فأكثر في أحضان المؤسسة العسكرية والأمنية وخاصة الحرس الثوري، وذلك كتعويض عن ابتعاد المؤسسات الدينية عنه. الأمر الذي يشير إلى أن الحرس الثوري سيكون هو المستفيد الأكبر من وراء هذه الأحداث في نهاية المطاف. كونها قد خلقت -وستخلق- أوضاعا تسمح له بأن يضع يده على مقدرات الدولة ومؤسساتها، وان تكون له الكلمة النهائية.
ويرى المطلعون العارفون بالشأن الإيراني أن الأزمة القائمة في إيران في الوقت الراهن لن تنتهي إلا بسقوط واحد من أكبر شخصيتين في الجمهورية الإيرانية يكنان لبعضهما عداء شديدا. وهما علي خامنئي، وعلى أكبر رفسنجاني اللذان أوكل إليهما الإمام الخميني قبل موته أمانة المحافظة على الجمهورية الإسلامية، وأوصاهما بالتعاون مع بعضهما وعدم الاختلاف.
وإذا تراجع على خامنئي المرشد العام للجمهورية الإيرانية أمام الضغوط الشعبية التي تحركها المعارضة، والمطالبة بإعادة الانتخابات، فإن هذا سيكون انتصارا لرفنسنجاني ومنتظري، وسيكون في هذا التراجع نهاية لخامنئي، وقد يضطر بعدها للاستقالة وخسارة البيعة. وبإمكان مجلس الخبراء -وهو المؤسسة الدستورية المخولة بانتخاب وتعيين وعزل المرشد الأعلى- الإطاحة به، وبخاصة أن هاشمي رفسنجاني يترأس هذا المجلس ويسيطر على ثلث أعضائه الثمانين.
وسواء أطيح بخامنئي أو رفسنجاني فعلى الأمة أن لا تتوقع خيرا من وراء ما يجري في إيران من قبيل رفع ويلات الظلم والبطش عن أهل السنة في إيران، والكف عن التأمر على الجهاد والمجاهدين في العراق وأفغانستان، والامتناع عن تصدير التشيع إلى المنطقة.
وإذا كان سيكون هناك من تأثير لذلك الصراع فسيكون في عرقلة تلك المشاريع الإيرانية المشبوهة وإرباكها بصورة مؤقتة أي في الأجل القصير فقط. والأهم من ذلك هو أن تراهن الأمة على تغيير ذاتها وواقعها لما هو أحسن.
المصدر: مجلات، مواقع الكترونية، قنوات فضائية.

مقتل الحسين رضي الله عنه

مقتل الحسين رضي الله عنه

كثر الكلام حول مقتل الشهيد السعيد السيد السبط الحسين بن علي (عليه السلام) فطلب مني بعض الأخوان أن أذكر القصة الصحيحة التي أثبتها الثقات من أهل العلم ودونوها في كتبهم فأجبتهم ما يلي:
كثر الكلام حول مقتل الشهيد السعيد السيد السبط الحسين بن علي (عليه السلام) فطلب مني بعض الأخوان أن أذكر القصة الصحيحة التي أثبتها الثقات من أهل العلم ودونوها في كتبهم فأجبتهم ما يلي:
بلغ أهل العراق أن الحسين لم يبايع ليزيد بن معاوية وذلك سنة 60 هـ فأرسلوا إليه الرسل والكتب يدعونه فيها إلى البيعة، وذلك أنهم لا يريدون يزيد ولا أباه ولا عثمان ولا عمر ولا أبا بكر إنهم لا يريدون إلا علياً وأولاده وبلغت الكتب التي وصلت إلى الحسين أكثر من خمسمائة كتاب. عند ذلك أرسل الحسين (عليه السلام) ابن عمه مسلم بن عقيل ليتقصى الأمور ويتعرف على حقيقة البيعة وجليتها، فلما وصل مسلم إلى الكوفة تيقن أن الناس يريدون الحسين فبايعه الناس على بيعة الحسين وذلك في دار هانئ بن عروة ولما بلغ الأمر يزيد بن معاوية في الشام أرسل إلى عبيدالله بن زياد والي البصرة ليعالج هذه القضية ويمنع أهل الكوفة من الخروج عليه مع الحسين (عليه السلام) فدخل عبيدالله بن زياد إلى الكوفة وأخذ يتحرى الأمر ويسأل حتى علم أن دار هانئ بن عروة هي مقر مسلم بن عقيل وفيها تتم المبايعة. فأرسل إلى هانئ بن عروة وسأله عن مسلم بعد أن بيّن له أنه قد علم بكل شيء، قال هانئ بن عروة قولته المشهورة التي تدل على شجاعته وحسن جواره: والله لو كان تحت قدمي هاتين ما رفعتها فضربه عبيدالله بن زياد وأمر بحبسه.
فلما بلغ الخبر مسلم بن عقيل خرج على عبيدالله بن زياد وحاصر قصره بأربعة آلاف من مؤيديه وذلك في الظهيرة.
فقام فيهم عبيد الله بن زياد وخوفهم بجيش من الشام ورغبهم ورهبهم فصاروا ينصرفون عنه حتى لم يبق معه إلا ثلاثون رجلاً فقط. وما غابت الشمس إلا ومسلم بن عقيل وحده ليس معه أحد.
فقبض عليه وأمر عبيد الله بن زياد بقتله فطلب منه مسلم أن يرسل رسالة إلى الحسين فأذن عبيدالله وهذا نص رسالته: ارجع بأهلك ولا يغرنك أهل الكوفة فإن أهل الكوفة قد كذبوك وكذبوني وليس لكاذب رأي.
ثم أمر عبيد الله بقتل مسلم بن عقيل وذلك في يوم عرفة وكان مسلم بن عقيل قد أرسل إلى الحسين (عليه السلام) أن أقدم فخرج الحسين من مكة يوم التروية وحاول منعه كثير من الصحابة ونصحوه بعدم الخروج مثل ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبي سعيد الخدري وابن عمرو وأخيه محمد بن الحنفية وغيرهم فهذا أبو سعيد الخدري يقول له: يا أبا عبدالله إني لك ناصح وإني عليكم مشفق قد بلغني أن قد كاتبكم قوم من شيعتكم بالكوفة يدعونك إلى الخروج إليهم فلا تخرج إليهم فإني سمعت أباك يقول في الكوفة: والله قد مللتهم وأبغضتهم وملوني وأبغضوني وما يكون منهم وفاء قط ومن فاز بهم بالسهم الأخيب والله ما لهم من نيات ولا عزم على أمر ولا صبر على سيف. وهذا ابن عمر يقول للحسين: إني محدثك حديثاً: إن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فخيره بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا وإنك بضعة منه والله ما يليها أحد منكم أبدا وما صرفها الله عنكم إلا للذي هو خير لكم فأبى أن يرجع فاعتنقه وبكى وقال: استودعك الله من قتيل.
وجاء الحسين خبر مسلم بن عقيل عن طريق الرسول الذي أرسله مسلم فهمّ الحسين بالرجوع فامتنع أبناء مسلم وقالوا: لا ترجع حتى نأخذ بثأر أبينا فنزل الحسين على رأيهم.
وكان عبيدالله بن زياد قد أرسل كتيبة قوامها ألف رجل بقيادة الحر بن يزيد التميمي ليمنع الحسين من القدوم إلى الكوفة فالتقى الحر مع الحسين في القادسية. وحاول منع الحسين من التقدم فقال له الحسين: ابتعد عني ثكلتك أمك. فقال الحر: والله لو قالها غيرك من العرب لاقتصصت منه ومن أمه ولكن ماذا أقول لك وأمك سيدة نساء العالمين رضي الله عنها.
ولما تقدم الحسين إلى كربلاء وصلت بقية جيش عبيدالله بن زياد وهم أربعة آلاف بقيادة عمر بن سعد فقال الحسين: ما هذا المكان؟ فقالوا له: إنها كربلاء، فقال: كرب وبلاء.
ولما رأى الحسين هذا الجيش العظيم علم أن لا طاقة له بهم وقال: إني أخيّركم بين أمرين:
1- أن تدعوني أرجع.
2- أو تتركوني أذهب إلى يزيد في الشام.
فقال له عمر بن سعد: أرسل إلى يزيد وأرسل أنا إلى عبيد الله فلم يرسل الحسين إلى يزيد. وأرسل عمر إلى عبيد الله فأبى إلا أن يستأسر الحسين له. ولما بلغ الحسين ما قال عبيد الله بن زياد أبى أن يستأسر له، فكان القتال بين ثلاثة وسبعين مقاتلاً مقابل خمسة آلاف وكان قد انضم إلى الحسين من جيش الكوفة ثلاثون رجلاً على رأسهم الحر بن يزيد التميمي ولما عاب عليه قومه ذلك. قال: والله إني أخير نفسي بين الجنة والنار. ولاشك أن المعركة كانت غير متكافئة من حيث العدد فقتل أصحاب الحسين (رضي الله عنه وعنهم) كلهم بين يديه يدافعون عنه حتى بقي وحده وكان كالأسد ولكنها الكثرة وكان كل واحد من جيش الكوفة يتمنى لو غيره كفاه قتل الحسن حتى لا يبتلى بدمه رضي الله عنه حتى قام رجل خبيث يقال له شمّر بن ذي الجوشن فرمى الحسين برمحه فأسقطه أرضاً فاجتمعوا عليه وقتلوه شهيداً سعيداً. ويقال أن شمّر بن ذي الجوشن هو الذي اجتز رأس الحسين وقيل سنان بن أنس النخعي والله أعلم.
وأما قصة منع الماء وأنه مات عطشاً وغير ذلك من الزيادات التي إنما تذكر لدغدغة المشاعر فلا يثبت منها شيء. وما ثبت يغني ولاشك أنها قصة محزنة مؤلمة ، وخاب وخسر من شارك في قتل الحسين ومن معه وباء بغضب من ربه وللشهيد السعيد ومن معه الرحمة والرضوان من الله ومنا الدعاء والترضي.
من قتل مع الحسين في الطف:
من أولاد علي بن أبي طالب: أبوبكر، محمد، عثمان، جعفر، العباس.
من أولاد الحسين: علي الأكبر، عبدالله.
من أولاد الحسن: أبو بكر، عبدالله، القاسم.
من أولاد عقيل: جعفر، عبدالله، عبد الرحمن، عبدالله بن مسلم بن عقيل.
من أولاد عبدالله بن جعفر: عون، محمد.
وأضف إليهم الحسين ومسلم بن عقيل (رضي الله عنهم أجمعين). عن أم سلمة قالت: كان جبريل عن النبي صلى الله عليه وسلم والحسين معي، فبكى الحسين فتركته فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فدنى من النبي صلى الله عليه وسلم، فقال جبريل: أتحبه يا محمد؟ فقال: نعم. قال: إن أمتك ستقتله وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها فأراه إياها فإذا الأرض يقال لها كربلاء.. أخرجه أحمد في فضائل الصحابة بسند حسن. وأما ما روي من أن السماء صارت تمطر دماً وأن الجدر كان يكون عليها الدم أو ما يرفع حجر إلا ويوجد تحته دم أو ما يذبحون جزوراً إلا صار كله دماً فهذه كلها تذكر لإثارة العواطف ليس لها أسانيد صحيحة.
حكم خروج الحسين:
لم يكن في خروج الحسين عليه السلام مصلحة لا في دين ولا دنيا ولذلك نهاه كثير من الصحابة وحاولوا منعه وهو قد هم بالرجوع لولا أولاد مسلم، بل بهذا الخروج نال أولئك الظلمة الطغاة من سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتلوه مظلوماً شهيدا. وكان في خروجه وقتله من الفساد ما لم يكن يحصل لو قعد في بلده ولكنه أمر الله تبارك وتعالى وما قدر الله كان ولو لم يشأ الناس. وقتل الحسين ليس هو بأعظم من قتل الأنبياء وقد قدم رأس يحي عليه السلام مهراً لبغي، وقتل زكريا عليه السلام وكثير من الأنبياء قتلوا كما قال تعالى:" قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين".
وكذلك قتل عمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين.
كيف نتعامل مع هذا الحدث:
لا يجوز لمن يخاف الله إذا تذكر قتل الحسين ومن معه رضي الله عنهم أن يقوم بلطم الخدود وشق الجيوب والنوح وما شابه ذلك، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ليس منا لطم الخدود وشق الجيوب.. أخرجه البخاري. وقال: أنا بريء من الصالقة
والحالقة والشاقة.. أخرجه مسلم. وقال: إن النائحة إذا لم تتب فإنها تلبس يوم القيامة درعاً من جرب وسربالاً من قطران.. أخرجه مسلم.
والواجب على المسلم العاقل إذا تذكر مثل هذه المصائب أن يقول كما أمره الله تعالى:" الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون".
وما علم أن علي بن الحسين أو ابنه محمداً أو ابنه جعفراً أو موسى بن جعفر رضي الله عنهم ما عرف عنهم ولا عن غيرهم من أئمة الهدى لأنهم لطموا أو شقوا أو صاحوا فهؤلاء هم قدوتنا.
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم،،،،،، إن التشبه بالكرام فلاح
موقف يزيد من قتل الحسين:
لم يكن ليزيد يد في قتل الحسين ولا نقول هذا دفاعاً عن يزيد ولكن دفاعاً عن الحق فيزيد لا يهمنا من قريب ولا بعيد:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أن يزيد بن معاوية لم يأمر بقتل الحسين باتفاق أهل النقل ولكن كتب إلى ابن زياد أن يمنعه عن ولاية العراق ولما بلغ يزيد قتل الحسين أظهر التوجع على ذلك وظهر البكاء في داره ولم يسبِ لهم حريماً، بل أكرم أهل بيته وأجازهم حتى ردهم إلى بلادهم، وأما الروايات التي تقول: إنه أهين نساء آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهن أخذن إلى الشام مسبيات وأهن هناك، هذا كلام باطل، بل كان بنو أمية يعظمون بني هاشم ولذلك لما تزوج الحجاج بن يوسف من فاطمة بنت عبدالله بن جعفر لم يقبل عبد الملك بن مروان هذا الأمر وأمر الحجاج أن يعتزلها وأن يطلقها فهم كانوا يعظمون بني هاشم ولم تسب هاشمية قط. انتهى
رأس الحسين:
لم يثبت أن رأس الحسين أرسل إلى يزيد بالشام بل الصحيح أن الحسين قتل في كربلاء ورأسه أخذ إلى عبيد الله بن زياد في الكوفة، ولا يعلم قبر الحسين ولا يعلم مكان رأسه عليه السلام.
والله تعالى أعلى وأعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

آيات يستدل بها الشيعة للشيخ عثمان الخميس



آيات يستدل بها الشيعة للشيخ عثمان الخميس حفظه الله

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين محمد بن عبدالله وعلى آل بيته الكرام وصحابته الأبرار
وبعد

فهذا رد على عدة مقالات كتبها علي المتروك ( شيعي ) في جريدة الوطن

فنقول وبالله نستعين : ذكرتَ مجموعةً منَ الآياتِ تَدُلُّ على فضلِ آلِ البَيْتِ رضي الله عنهم ، وعُلُوِّ مكانتِهم ، ووجوبِ تقديمهم واتِّباعِهم ، والتَّسليمِ لهم . ولا أرَى أنَّ الآياتِ تَدُلُّ على مطلوبكَ ، بل ذكّرَنِي سردُكَ للآياتِ على هذا الوجهِ بروايةٍ قرأتُها قديمًا في كُتُبِكم ، فيها : (أنَّ القُرآنَ نَزلَ ثلاثةَ أثلاثٍ : ثُلُثٌ فينا . وثلثٌ في عَدُوِّنَا . وثُلثٌ أحكامٌ وفرائضُ). تفسير البرهان المقدمة ص158
فلا غرو ـ مع هذه الرواية ـ أنْ تختزلَ كُلَّ هذه الآياتِ في مجموعةٍ قليلةٍ منَ البشرِ رضي الله عنهم ، وأنْ تَتكلَّفَ في فهمِ مراد الله تعالى فيها ، وتلويَ أعناقَها تبعًا لما تريد.
ولعلَّ الذي ذكرتَهُ من الآياتِ غَيضٌ مِن فَيْضٍ منَ الآياتِ النَّازِلةِ في آلِ البيتِ رضي الله عنهم كمـا يظهر ذلكَ من كُتبِ التفسيرِ عندكم ،ومهمـا يكن من أمرٍ فاقْبَلْ مِنِّي غيرَ مأمورٍ تفسيرَ هذه الآياتِ كما جاء عَن سَلَفِ هذهِ الأُمَّةِ في الكُتبِ المعتمدةِ : -
[1] - : آيةُ التطهيرِ:[إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ] [الأَحْزَاب:33] روى الإمامُ مُسْلِمٌ في (صحيحهِ) عن أُمِّ المؤْمنينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنها قَالَتْ : خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم غَدَاةً ، وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُـرَحَّـلٌ مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ ، فَجَاءَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَأَدْخَلَهُ ، ثُمَّ جَـاءَ الحُسَيْنُ فَدَخَـلَ مَعَهُ ، ثُمَّ جَـاءَتْ فَاطِمَـةُ فَأَدْخَلَهَا ، ثُمَّ جَـاءَ عَلِيٌّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ قَالَ : (إِنَّمَـا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا).والمرط كساء من صوف
أيْ : أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قَرأَ هذه الآيةَ عليهم لاَ أنّها نزَلتْ فيهم خاصةً . قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ:مضمون هذا الحديثِ:أنَّ النَّبِيَّ لى الله عليه وآله وسلم دعَا اللهَ لَهم بأنْ يُذْهِبَ عَنهمُ الرِّجْسَ وَيُطَهِّرَهُمْ تَطْهِيرًا،وغاية ذلك أنْ يكونَ دعَا لَهم بأنْ يكونوا مِنَ المُتَّقِينَ الذين أذْهَبَ اللهُ عَنهمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ،واجْتِنَابُ الرِّجْسِ واجِبٌ على المؤمنينَ،والطَّهَارَةُ مأْمورٌ بها كُلُّ مؤمنٍ).منهاج السنة 5/14
· أولاً : هذه الآيةُ ـ وهي تُسَمَّى آيةُ التَّطهيرِ ـ إنّمـا نزلتْ في نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم كمـا قال اللهُ سبحانه وتعالى: [ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفًا - وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا - وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ] [الأَحْزَاب : 32 - 34] ، فالذي يُراعي سياقَ هذه الآياتِ يُوقِنُ أنّها في نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم خاصةً .
وأما قوله تعالى:[لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ]ولم يَقُلْ:(عَنْكُنَّ)وقولِه سبحانه وتعالى:[ وَيُطَهِّرَكُمْ]ولم يَقُلْ: (وَيُطَهِّرَكُنَّ)،لأنَّ النِّسَاءِ دخلَ مَعهنَّ النَّبِيُّ (وهو رأسُ أهلِ بيتهِ)،ولهذا نظائرُ في كتابِ الله تعالى منها :
- ما جاءَ عن زَوْجةِ إبراهيمَ صلى الله عليه وسلم:[ قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَـمِيدٌ مَجِيدٌ ][هُود:73]،والمرادُ هنا بأَهْلِ الْبَيْتِ:(إبراهيمُ وزوجتهُ) .
- قول الله سبحانه وتعالى عن مُوسَى صلى الله عليه وسلم:[ فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا ][القَصَص:29]،وكانتْ معه زوجتُهُ.
وإنّما كان (عَلِيٌّ وفَاطِمَةُ والحَسَنُ والحُسَيْنُ رَضِيَ اللهُ عنهم) مِن أهلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم بدليلِ حديثِ الكِسَاءِ ، لا بدليلِ الآيةِ وذلك لما أدخلَهُمُ تحتَ الكساءِ وقرأَ : [إِنَّمَـا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا].
ثُمَّ إنَّ قولَه سبحانه وتعالى:[إِنَّمَـا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا] ليست آيةً مُستقِلَّةً ، بل هو جُزْءٌ مِن آيةٍ تتكلَّمُ عن نساءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وتبِعتْها آيةٌ تتكلَّمُ كذلك عنهنَّ . وهذا واضِحٌ جدًا لِـمَـن تأمَّلَ هذه الآيةَ وقرأها قراءةً مُتأنِّيَةُ بتجرُّدٍ وإنصافٍ .
· ثَانيا : إنَّ مفهومَ أهل بيت النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم يتعدَّى زوجاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، ويتعدى عَلِيًّا والحَسَنَ والحُسَيْنَ وفَاطِمَةَ إلى غيرهم ، كمـا في حديث زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ الذي رواه مُسْلِمٌ في (صحيحهِ) ، وفيه قولُه صلى الله عليه وآله وسلم : أُذَكِّرُكُمُ اللهَ في أَهْلِ بَيْتِي ثلاثًا.وقال زيد :أَهْلُ بَيْتِهِ مَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ . هُمْ : آلُ عَليٍّ ، وَآلُ عَقِيلٍ ، وَآلُ جَعْفَرٍ ، وَآلُ عَبَّاسٍ .
وجـميعُ بني هَاشِمٍ مِنْ آلِ البَيْتِ،وهم كُلُّ مَن حُرِمَ الصَّدَقَةَبدليلِ الحديثِ الذي رواهُ الإمامُ مُسْلِمٌ في(صحيحِه)وفيه:اجْتَمَعَ رَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ بن عبد المُطَّلِب وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ،فَقَالاَ:واللهِ لَوْ بَعَثْنَا هَذَيْنِ الْغُلاَمَيْنِ يعنيان عبدالمطلب بن ربيعة والْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ إِلَى رَسُولِ الله فَكَلَّمَـاهُ فَأَمَّرَهُـمَـا عَلَى هَذِهِ الصَّدَقَاتِ فقال:(إِنَّ الصَّدَقَةَ لاَ تَنْبَغِي لآلِ مُحَمَّدٍ إِنَّمَـا هي أَوْسَاخُ النَّاسِ .)
ثالثا: إنَّ اللهَ تباركَ وتعالى يريدُ إذهابَ الرجسِ عَن كُلِّ مُؤمنٍ ومؤمنةٍ فقال تعالى لنبيِّهِ: [وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ] [المُدَّثِّر : 4] ، وهو أمرٌ للأُمَّةِ ، وقد أمرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم المُسْلِمَ إذا أرادَ أنْ يُصَليَ أنْ يتوضأَ ، وأنْ يَتجنَّبَ أماكنَ الوَسَخِ.
· رابعاً : التَّطهيرُ ليس خاصًا بِعَلِيٍّ وفَاطِمَةَ والحَسَنِ والحُسَيْنِ رَضِيَ اللهُ عنهم ، بل واقعٌ لغيرِهم أيضا كمـا قال سبحانه وتعالى : [ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَـهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ] [التَّوْبِة : 103] .
وقال سبحانه وتعالى : [ مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ] [المَائِدَة : 6]
ولقد قال اللهُ سبحانه وتعالى لأهلِ بَدْرٍ : [ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ ] [الأَنْفَال : 11] ، فإذا كان ذكرَ (التَّطهيرَ) لخمسةٍ من آلِ البيتِ هناك فقد ذكرَ ـ هنا ـ (التَّطهيرَ) للبدريين الثلاثمئة وبضعة عشر ، وعليه : فإن كانت آيةُ (الأَحْزَابِ) تَدُلُّ على عِصْمَةِ (الخمسةِ) كما تقولونَ فمقتضى القياس واطراده يقضي بأنَّ آيةَ (الأَنْفَالِ) تَدُلُّ على عِصْمَةِ (الثلاثمئة وبضعة عشر)
وهذه ثُلَّةٌ من أقوالِ السَّلفِ في تفسيرِ قوله سبحانه وتعالى : [إِنَّمَـا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا] :
- قال ابنُ كثيرٍ : (عنِ ابنِ عَبَّاسٍ : نزلتْ في نِسَاءِ النَّبِيِّ خاصةً . قال عِكْرِمةُ : (مَنْ شاءَ بَاهَلْتُهُ أنّها نزلتْ في شأنِ نِسَاءِ النَّبِيِّ . (قال ابنُ كثيرٍ) : فإنْ كانَ المُرادُ أنَّهُنَّ كُنَّ سَببَ النُّزولِ دونَ غيرِهنَّ فصحيحٌ . وإنْ أُريدَ أنَّهُنَّ المُرادُ فقط دونَ غيرِهنَّ ففيهِ نَـظَـرٌ فإنّه قد وردتْ أحاديثُ تَدُلُّ على أنَّ المُرادَ أعَمُّ مِنْ ذلكَ) .
ثُمَّ ذكرَ ما يَدُلُّ على أنَّ عَلِيًّا ، وفَاطِمَةَ ، والحَسَنَ ، والحُسَيْنَ ، وآلَ عَلِيٍّ ، وآلَ عقيلٍ وآلَ جَعْفَرٍ ، وآلَ العَبَّاسِ مِن آلِ بيتِ النَّبِيِّ. تفسير ابن كثير

[2] - :آيةُ المودة:[قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى][الشُّورَى:23] جاء في (صحيحِ البُخاريِّ):عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ سبحانه وتعالى:[إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى] فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ:قُرْبَى آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم.فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:(عَجِلْتَ إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم لَـمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلاَّ كَانَ لَهُ فِيهِمْ قَرَابَةٌ فَقَالَ : إِلاَّ أَنْ تَصِلُوا مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنَ الْقَرَابَةِ) .
ويؤكِّدُ هذا أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم لا يسألُ أجرًا أبدًا ، كما قال سبحانه وتعالى : [ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ المُتَكَلِّفِينَ ] [ص : 86] ، وقال سبحانه وتعالى : [ وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ] [يُوسُف : 104] ، وقال سبحانه وتعالى : [قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ ... ] [سَبَأ : 47] ، وهكذا قال مثلَ قولِهِ جميعُ الأنبياءِ عليهم السَّلامُ ، وهو أكملُهم صلى الله عليه وآله وسلم :
قال نُوحٌ عليه السلام:[وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ][الشُّعَرَاء:109]
قال هُودٌ عليه السلام:[وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ][الشُّعَرَاء: 127] .
قال صَالِحٌ عليه السلام:[وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ] [الشُّعَرَاء : 145].
قال لُوطٌ عليه السلام : [وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ][الشُّعَرَاء : 164] .
قال شُعَيْبٌ عليه السلام : [وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ][الشُّعَرَاء: 180].
والنَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم أكرمُ الأنبياءِ وأفضَلُهم ، وهو أولَى بأن لا يسألَ أجرًا ، وقولُ الله سبحانه وتعالى : [إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى] . معنَى [ إِلاَّ ] هنا : إمّا أن تكونَ استثناءً مُتَّصلاً ، وإما أن تكونَ استثناءً مُنقطِعًا ، أي بمعنَى (لكن) ، فيكون معنَى [إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى] أيْ : ولكن وُدُّوني في قرابتي ، أنا قريبٌ منكُم ، دعوني أدعو النَّاسَ . وقد ثبتَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم أنه سألَ قُريشًا أنْ يتركوهُ يدعو إلى الله ، فإنْ ظَهَرَ كانَ لهم هذا ، وإنْ قتلَهُ النَّاسُ فيسْلَمونَ مِن دَمِهِ .
ثُمَّ لو كانَ يُريدُ أجرًا لِقرابتِهِ لقالَ : (لذي القُرْبَى) أو (لذوي القُرْبَى) . أما أن يقولَ : (في القُرْبَى) فلا يَصِحُّ . ثُمَّ إنَّ هذه الآيةَ مَكِّيَّةٌ ، وكان عَلِيٌّ وقتَ نزولِها صغيرًا لـمْ يتزوَجْ فَاطِمَةَ ، ومِن ثَمَّ الحسَنُ والحُسَيْنُ لم يولدَا .
قال شَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ : (جميعُ ما في القُرآنِ مِنَ التَّوصِيَةِ بحقوقِ ذَوي قُرْبَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم وذَوي قُرْبَى الإنسانِ إنّما قيلَ فيها [ ذَوِي الْقُرْبَى ] [البَقَرَة : 177] ولـمْ يقُلْ : (في القُرْبَى) . ثُمَّ يُقالُ كذلكَ : ليسَ مُناسِبًا لشَأْنِ النُّبُوَّةِ طلبُ الأجْرِ وهو مودَّةُ ذوي قُرْبَاهُ لأنَّ هذا مِن شِيمَةِ طالبي الدّنيا . ثُمَّ إنَّ هذا القولَ يوجِبُ تُهْمَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم). منهاج السنة 7/101
قال الحافِظُ ابنُ حَجَرٍ في (فتح الباري) (8/564 - 565):(بَابُ قَوْلِهِ:[إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى] ذَكَرَ فِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : سُئِلَ عَنْ تَفْسِيرِهَا،فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ:(قُرْبَى آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم) . فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : (عَجِلْتَ) . أَيْ : أَسْرَعْتَ فِي التَّفْسِيرِ . وهذا الذي جَزَمَ بهِ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَدْ جَاءَ عَنْهُ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا ، فَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ تفسيريهما مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال : (لمَّا نَزَلَتْ قَالُوا : يَا رَسُولَ الله مَنْ قَرَابَتُكَ الذينَ وَجَبَتْ عَلَيْنَا مَوَدَّتُهُمْ) الحَدِيثَ . وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ فيه قيس بن الربيع وحسين الأشقروكلاهما ضعيف، وَهُوَ سَاقِطٌ لِمُخَالَفَتِهِ هَذَا الحَدِيثَ الصَّحِيحَ. (ثُمَّ قال الحافِظُ) : وَالمَعْنَى : (إِلَّا أَنْ تَوَدُّونِي لِقَرَابَتِي فَتَحْفَظُونِي) . وَالخِطَابُ لِقُرَيْشٍ خَاصَّةً ، و (الْقُرْبَى) : قَرَابَةُ الْعُصُوبَةِ وَالرَّحِمِ ، فَكَأَنَّهُ قال : (احْفَظُونِي لِلْقَرَابَةِ إِنْ لَـمْ تَتَّبِعُونِي لِلنُّبُوَّةِ).

[3] - : آيةُ المباهلةِ : [ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ] [آل عِمْرَانَ : 61] يمكنُ إجمال مناقشتنا لاستدلالكَ بهذه الآيةِ في نقاطٍ :
· تاريخ المُبَاهَلَةِ : سنة (10هـ) .
· [أَبْنَاءَنَا] : هم الحسَنُ والحُسَيْنُ . وقيلَ : عَلِيٌّ لأنه بمنزلةِ الابْنِ بالنسبةِ لِرَسُولِ اللهِ ، حيثُ تربَّى في بيتهِ وتزوّجُ ابنتَهُ .
· [نِسَاءَنَا] : فَاطِمَةُ .
· [أَنْفُسَنَا]:النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم لأنّ الرجُلَ يمكن أن يناديَ نفسَهُ ويُخاطبَها،ويدلُّ على ذلكَ أمورٌ : -
- لا أحد يساوي رسولَ الله ِصلى الله عليه وآله وسلم ، لا عَلِيٌ ولا غيرُه .
- إذا كان المقصود أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم لا بدَّ أنْ يأتيَ بواحدٍ كنفسهِ فهل هذا الأمرُ كذلك مع مَنْ يُبَاهِلُهُ
- وقولهُ تعالَى : [ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ] [التَّوْبِة : 128].
- ولعلّكَ أنْ تسألَني : لِـمَ قدَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم عَلِيًّا ، و فَاطِمَةَ ، و الحسَنَ والحُسَيْنَ فأقولُ مُجيبًا :
1 - لـم يكنْ أحدٌ أقربَ نسبًا إليه منهم .
2 - المباهلةُ إنّما تحصلُ بالأقربينَ لأنَّ النفوسَ تحنو على أقاربِها طبعًا ، وتجنّبُها المهالكِ .
3 - آيةُ المُبَاهَلَةِ كانت سنةَ عشر مع وفدِ نَجْرَانَ،وكان كلُّ أولادِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قد تُوفُّوا:رُقَيّة 2هـ،زَيْنَب 8هـ،أُمّ كُلثومٍ9هـ،أمّا إبراهيمُ والقاسمُ وعبدُ الله فماتوا صغارًا قبلَ هذه الحادثةِ بكثيرٍ .
4 - لاَ شَكَّ أنَّ فيه نَوعَ فضيلةٍ لهم .
5 - لـم يكنْ مِنْ أقاربِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم موجودًا في ذلك الوقتِ مَنْ له مكانةٌ في الدّينِ مثل عَليٍّ . أما عَمُّهُ العَبَّاسُ فكان موجودًا ولكن لا يُقارنُ بِعَلِيٍّ لأنه ليس منَ السَّابقينَ . وأما بنو عَمِّهِ فليس فيهم مثلُ عَليٍّ إلاَّ جَعفر ، وكان قدِ اُستُشْهِدَ في مُؤْتَةَ .

[4] - : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ] [النِّسَاء : 59] قال القُرطُبِيُّ : (وأولي الأمرِ : أهلُ القُرآنِ والعلمِ . وقيل : الفُقهاءُ والعُلماءُ . وقيل : أصحابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم خاصة . وقيل : أبو بكرٍ وعُمَرُ . وقيل : أهلُ العَقلِ والرَّأْيِ) ثُمَّ قال : (وأصحُّ هذه الأقوالِ : الأولُ والثّاني) . ثُمَّ استدلَّ لهما وردَّ باقي الأقوالِ .
ثُمَّ قال : (وزعمَ قومٌ أنَّ المرادَ بأُولي الأمرِ عَلِيٌّ والأئمّةُ المعصومونَ ، ولو كان كذلكَ ما كان لقولهِ : [ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ ] معنًى ، بل كان يقولُ : (ردوه إلى الإمامِ وأولي الأمر) . وهذا قولٌ مهجورٌ مُخالِفٌ لما عليهِ الجمهورُ .
[5] - : [وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ] [النِّسَاء : 115] قال ابنُ كَثيرٍ : (هذا مُلازِمٌ للصِّفَةِ الأولَى ، ولكن قد تكونُ المُخالَفَةُ لنَصِّ الشَّارِعِ وقد تكونُ لِمَا اجتمعتْ عليهِ الأُمَّةُ المُحَمَّدِيَّةُ فيما عُلِمَ اتِّفاقُهم عليهِ تحقيقًا فإنّهُ قد ضُمِنَتْ لهمُ العِصْمَةُ في اجْتِماعِهم مِنَ الخَطأِ ، تشريفًا لهم وتعظيمًا لِنَبيِّهم) .
قال الطَّبريُّ:(يعنِي جلَّ ثناؤهُ بقولِهِ [وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ ]:ومَنْ يُبايِنُ الرَّسُولَ مُحَمَّدًا مُعادِيًا له فيفارقه على العَداوةِ له مِن بعدِ ما تبيَّـنَ له الهُدَى ...[وقوله]:[ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ ] يقولُ : ويتّبعْ طريقًا غيرَ طريقِ أهلِ التّصديقِ ويسلكْ منهاجًا غير منهاجِهم ، وذلكَ هو الكُفرُ بالله) .
وقال القُرطُبِيُّ : (هي عامّةٌ في كُلِّ مَن خالفَ طريقَ المُسلمينَ ... قال العلماءُ : في قولهِ تعالى [وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ ] دليلٌ على صِحَّةِ القولِ بالإجماعِ) .
وقال البَغَويُّ : (طريق المؤمنينَ) .
قلتُ : ولا شَكَّ ولا ريبَ أنَّ أئمّةَ أهلِ البيتِ كعَلِيٍّ ، والعَبَّاسِ ، والحَسَنِ ، والحُسَيْنِ ، وابنِ العِبَّاسِ ، وعبدِ الله بنِ جَعْفَرٍ ، وغيرِهم منَ المؤمنينَ الذينَ أمرنا اللهُ تباركَ وتعالَى أنْ نَتَّبِعَ سبيلَهم مع غيرِهم كأبي بكرٍ، وعُمرَ ، وعُثْمَانَ ، وطَلحةَ ، والزَّبيرِ ، وابنِ الزُّبيْرِ ، وابنِ عُمَرَ ، وعَائشةَ وغيرهِم .
هذا إذا اتّفقوا ولـم يختلِفوا على أمرٍ ما مِن أمورِ الشَّرعِ ، ولهذا تذكرُ هذه الآيةُ في كُتبِ (علمِ أُصولِ الفقهِ) كدليلٍ على حُجّيّةِ الإجماعِ .
[6] - : [إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ] [الرَّعْد : 7] قال ابنُ كَثيرٍ : (عنِ ابنِ عَبَّاسٍ : أيْ لِكُلِّ قومٍ دَاعٍ . وقال : يقولُ اللهُ تعالَى : أنتَ يا مُحَمَّدٌ مُنْذِرٌ وأنا هَادي كُلَّ قَومٍ . وكذا قال مُجَاهِدٌ وسَعيدٌ والضَّحَّاكُ وغيرُ واحِدٍ .
وعن مُجَاهدٍ:[وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ]:أيْ نَبِيٌّ.وعنِ ابنِ عَبَّاسٍ لمَّا نزلتْ:[إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ] قال:وضعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم يدَهُ على صدْرِهِ وقال:(أنا المُنْذِرُ،وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) . وأومأَ بيدِهِ إلى مَنكَبِ عَلِيٍّ فقال : (أنتَ الهادي يا عَلِيٌّ بكَ يهتدي المهتدونَ مِن بعدي) . ولكنه حديثٌ مُنْكَرٌ أخرجه الطبري في تفسيره وفيه الحسن العرني ضعيف جدا وفيه معاذ بن مسلم وهو مجهول
يتبعه التكملة

من يحكم إيران؟


من يحكم إيران؟


ينبهر كثير من المسلمين برؤية الانتخابات الإيرانية لرئيس الجمهورية، ويعتبرونها صورة حضارية لاختيار زعيم يرضى عنه الشعب ويحقق آماله، خاصة في ظل الأوضاع المتردية في معظم بلاد العالم العربي؛ التي لو شهدت البلاد العربية انتخابات فإنها تكون انتخابات مزوَّرة، وهذا يجعل المسلمين يلهثون وراء أيّ تجربة بصرف النظر عن كونها غربية أو شيعية أو غير ذلك.
ولكن هل تعتبر الانتخابات الإيرانية فعلاً نموذجًا يُحتذى؟ وهل الرئيس الذي يختاره الشعب يملك من الصلاحيات ما يحقق به آمال الذين انتخبوه؟ وهل هناك فرصة لإصلاح الفساد إن حدث؟ وهل النظام الإيراني يمتلئ بالحيوية كما يحلو لكثيرٍ من المنبهرين بالشيعة أن يقولوا؟!
إننا لا بد أن نعود للأصول حتى نفهم من يحكم إيران في الحقيقة.. وأنا أنصح القراء بقراءة مقالاتي السابقة في هذا الموضوع؛ لأنها ستعطي رؤية أوضح لما سأذكره في هذا المقال، وهذه المقالات كانت بعنوان "أصول الشيعة"، و"سيطرة الشيعة"، و"خطر الشيعة"، و"موقفنا من الشيعة".

لقد قام الخوميني بثورته الشيعية في سنة 1979م، وأطاح بحكم الدكتاتور الإيراني السابق الشاه بهلوي، الذي كان يملك صلاحيات كبيرة جدًّا في إيران، إضافةً إلى صلاحيات النظام الحاكم المنتمي له، فماذا فعل الخوميني؟! لقد كوَّن دكتاتورية أكبر بكثير من دكتاتورية الشاه، وجمع من الصلاحيات ما يفوق صلاحيات الشاه بكثير، ولو كانت هناك فرصة للاعتراض في زمن الشاه، فإن هذه الفرصة أصبحت معدومة في زمن الخوميني ومن بعده. أما الذي نراه اليوم من صراعات واعتراضات ومعسكرات فما هو إلا في إطار محدود ومعروف يهدف في النهاية إلى تجميل النظام، وإشعار الجميع أن الحرية موجودة، وأن البلد بخير، وأن اختيار الشعب محترم!

كيف حدث هذا؟! وما أصل القصة؟!
لقد جاء الخوميني إلى حكم إيران وفقًا لنظرية استدعاها من التاريخ الشيعي اسمها نظرية "ولاية الفقيه"، والأصل في الفكر الشيعي أن الولاية لا بد أن تكون للإمام المعصوم، وهم يعتقدون في عصمة الإمام علي بن أبي طالب t، ثم عصمة أولاده الحسن ثم الحسين، ثم عصمة أبناء الحسين المتسلسلين، الذين كوَّنوا عندهم ما يُسمى بالأئمة الاثني عشر، ولكن حدث أن الإمام العسكري - وهو الإمام الحادي عشر عند الشيعة - مات سنة 260هـ دون أن يسمِّي إمامًا معصومًا خلفه، فانقسم الشيعة إلى طوائف كثيرة لحل هذه المعضلة، وكانت من هذه الطوائف طائفة الاثني عشرية التي ادعت أن الإمام العسكري أوصى إلى ابنه الصغير محمد الذي لم يبلغ الخامسة من عمره، غير أن هذا الإمام الثاني عشر دخل في أحد السراديب واختفى، ويعتقد الشيعة الاثنا عشرية (في إيران ولبنان) أنه ما زال موجودًا في داخل السرداب، وأنه سيظهر في يوم من الأيام ليحكم الدنيا، وهو عندهم المهدي المنتظر، وفي العقيدة الشيعية أنه لا يجوز تولي الحكم وقيادة الدولة وإقامة أحكام الدين والجهاد والجماعة والحدود وكل شيء إلا في وجود الإمام المعصوم، ومِن ثَمَّ فكل شيء معطَّل إلى أن يظهر هذا الإمام الوهمي.

ولكن الخوميني أحيا نظرية اجتهادية موجودة في التاريخ الشيعي هي نظرية "ولاية الفقيه"، وهي تعني أن الإمام المهدي الغائب "الطفل الذي دخل السرداب" قد عَهِد إلى الفقيه الذي يمتلك القدرة الفقهية العالية بأن يقوم بما كان سيقوم به الإمام المعصوم في حالة وجوده، ومِن ثَم فإن هذا الفقيه يرأس الأمة، ويأخذ صلاحيات الإمام المعصوم، بما فيها العصمة، وبما فيها من الإلهام من الله، وبما فيها من الارتفاع فوق مقام النبوة؛ لأن النبوة عندهم انتهت في فترة معينة، بينما يستمر الإمام المعصوم إلى الآن، وقد نقلنا قبل ذلك قول الخوميني في كتابه (الحكومة الإسلامية): "... وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقامًا لا يبلغه ملكٌ مقرَّب، ولا نبي مرسل

وعلى هذا فإذا أخذ الإيرانيون بهذه النظرية فإنه لا يجوز أصلاً الاعتراض على حكم الفقيه الذي يتولى قيادة البلاد، والذي يُعرف عندهم الآن بالفقيه الأكبر، أو بمرشد الثورة، أو بالقائد، وكلها مترادفات للشخصية الأولى والأخيرة في النظام الإيراني الجديد، وهذا خطر جدًّا، بل هو أخطر من الأوضاع في الأنظمة العربية الفاسدة؛ لأن الحكام العرب الدكتاتوريين لا يقولون أنهم يحكمون باسم الله عزوجل، ولا يدَّعون الإلهام من الله، ولا يدعون العصمة، ولا تعتبر شعوبهم أن طاعتهم أمرٌ تمليه عليهم الشريعة، بل الكثير من الشعوب ترى أن مقاومة دكتاتوريتهم فضيلة؛ لأنها مقاومة للظلم والتسلُّط، بينما يُعتبر ذلك في إيران جريمة في حق الله قبل أن تكون جريمة في حق النظام أو القائد.
لقد صمم الخوميني الدستور الإيراني الجديد بالشكل الذي يحفظ هذه الدكتاتورية العنيفة له، ولمن جاء من بعده على المنهج الاثني عشري المنحرف، فجعل من بنود الدستور أن مرشد الثورة يظل في هذا المنصب مدى الحياة! ثم كوَّن ما يُسمى بمجلس الخبراء، وهذا المجلس يختاره الشعب بالانتخاب، ولكن لا بد أن يكون هذا المرشح لمجلس الخبراء من الفقهاء، ولا بد أن يكون من الاثني عشريين، ولا بد أن يكون مؤمنًا بنظرية ولاية الفقيه. وهذا المجلس هو الذي يختار بعد ذلك الولي الفقيه الذي يخلف الخوميني بعد موته، ليظل وليًّا فقيهًا حاكمًا طيلة حياته بعد ذلك، وقد اختار هذا المجلس "آية الله علي خامنئي" ليكون مرشدًا للثورة، وهو في هذا المنصب من سنة 1989م إلى الآن!
ولم يكتف الخوميني بذلك، بل جمع إلى سلطاته صلاحيات أخرى كثيرة كما جاء في المادة 110 من الدستور؛ فمرشد الثورة هو الذي يضع كافة المسائل الرئيسية الخاصة برسم وتعيين السياسات العامة للنظام، وهو الذي يقود القوات المسلحة، وهو الذي يملك أن ينصِّب ويعزل رؤساء المؤسسات والمجالس الرئيسية في الدولة، وهو الذي يعيِّن رئيس السلطة القضائية، ورئيس الإذاعة والتليفزيون، ورئيس أركان القيادة المشتركة للجيش، والقائد العام لقوات حرس الثورة، كما يملك - فوق كل ذلك - عزل رئيس الجمهورية المنتخَب من قِبل الشعب!!!

إنها سيطرة لا يحلم بها أي دكتاتور عربي، وليس هذا فقط، بل إن كل ما سبق وغيره يتم بتفويض من الإمام الغائب المهدي، وإذا حدث وعصى أحد أفراد الشعب أوامر هذا المرشد فإن هذه خطيئة تصل إلى الشرك بالله؛ حيث إنه يعترض على معصوم، ويستندون في ذلك إلى مقولة منسوبة زورًا إلى الإمام جعفر الصادق يقول فيها: "...فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه، فإنما استخفَّ بحكم الله، وعلينا رَدَّ، والرادُّ علينا رادٌّ على الله، وهو على حدِّ الشرك بالله
ولكن الخوميني أراد أن يجمِّل الصورة، فلا يجعل الأمر في صورة دكتاتورية قاهرة، فجعل هناك منصبًا يُسمى "رئيس الجمهورية"، مع أن الرئيس الفعلي للبلاد هو القائد أو مرشد الثورة، وجعل رئيس الجمهورية هذا بالانتخاب العلني من أفراد الشعب، حتى يفرِّغ كل الشحنات في داخل الشعب فيشعر أنه هو الذي اختار، وهو الذي وجَّه مسيرة الأمة، ولكن وقفة تأمل مع رئيس الجمهورية الإيرانية..

كيف يُختار هذا الرئيس؟!
لقد ابتكر الخوميني مجلسًا سماه "مجلس صيانة الدستور"، هو المكلَّف باختيار من يمكن أن يُرشَّح للرئاسة، وهذا المجلس مكوَّن من اثني عشر عضوًا، يعيِّن مرشد الثورة ستة منهم بشكل مباشر! أما الستة الآخرون فيرشحهم رئيس السلطة القضائية بعد ترشيح مجلس النواب، مع العلم أن رئيس السلطة القضائية نفسه يُعيَّن من قِبل مرشد الثورة، وهذا يعني أن أعضاء مجلس صيانة الدستور بكاملهم من الذين يختارهم مرشد الثورة أو يرضى عنهم، وهذا المجلس يقوم بقبول ترشيحات المتقدمين لشغل منصب رئيس الجمهورية، ومن ثَمَّ فهو لا يقبل من المتقدمين إلا من هو على علاقة قوية جدًّا وحميمة بمرشد الثورة!! فليس هناك أي فرصة لوجود معارض لمرشد الثورة، وما يسمَّى بالمحافظين أو الإصلاحيين ما هي إلا صورة وهمية لبعض الاختلافات الطفيفة في الإطار الذي يسمح به مرشد الثورة، ويكفي أن نعلم أنه في الانتخابات الأخيرة تقدم لمنصب الرئاسة 471 مرشحًا، لم يقبل مجلس صيانة الدستور منهم إلا أربعة فقط؛ اثنين من المحافظين واثنين من الإصلاحيين، والجميع من أبناء النظام، وأتباع مرشد الثورة.. فأحمدي نجاد مقرَّب جدًّا من مرشد الثورة علي خامنئي، وهو من أشد المتمسكين بمبدأ ولاية الفقيه، وهو يعتبر من المحافظين. أما المنافس الأكبر له فكان مير حسين موسوي، وهو من الإصلاحيين، لكنه في نفس الوقت من أبناء الثورة، ورحل معها من باريس إلى طهران، وكان يشغل منصب رئيس الوزراء في عهد الخوميني من سنة 1981 إلى سنة 1989م، وهو آخر رئيس وزراء لإيران قبل إلغاء هذا المنصب أصلاً! والمرشح الثالث هو مهدي كروبي من الإصلاحيين، وكان يرأس البرلمان الإيراني من سنة 1989 إلى سنة 1992م. والرابع هو محسن رضائي من المحافظين، وكان يشغل مركز قائد الحرس الثوري في أثناء الحرب الإيرانية العراقية!!

إنهم جميعًا من أبناء النظام، ومن المؤيدين بقوة لكل كلمة يقولها المرشد القائد.

وقد يحدث أحيانًا وينسى رئيس الجمهورية المنتخَب من الشعب نفسه، ويأخذ قرارًا يخالف رأي مرشد الثورة، فماذا يحدث عندئذ؟! لا داعي للتكهنات، فقد رأينا واقعًا يوضح لنا الصورة؛ فعلى سبيل المثال تم انتخاب بني صدر ليكون أول رئيس لجمهورية إيران أيام الخوميني سنة 1980م، وظن "بني صدر" أنه أصبح رئيسًا ككل رؤساء العالم يمسك بمقاليد الأمور في دولته، خاصة أنه قد أتى إلى كرسيِّ الحكم بنسبة 75% من أصوات الشعب، وهي نسبة كبيرة كما نعلم، إلا أنه وجد نفسه لا حول له ولا قوة، ولا يملك أن يكلف رئيس وزراء لحكومته، بل لا يستطيع المشاركة في اختيار الوزراء، وكل صغيرة وكبيرة لا بد من الرجوع فيها إلى الخوميني القائد، فلم يطمئن لهذا الوضع واعترض! فماذا كانت النتيجة؟!
لقد عزله الخوميني من منصبه وعيَّن رئيسًا آخر!!
عزله بعد أن حصل على 75 % من أصوات الشعب، فأي قيمة إذن للانتخابات؟ ولماذا تنفق الأموال في الدعايات؟ ولماذا تعقد المناظرات في وسائل الإعلام؟
وعندما أجاز الرئيس علي خامنئي - الذي كان رئيسًا لإيران من سنة 1981 إلى سنة 1989م- قانونَ العمل بعد أن عارضه مجلس صيانة الدستور بتوجيه من الخوميني، وجَّه الخوميني رسالة شديدة اللهجة إلى الرئيس علي خامنئي، وذكَّره في هذه الرسالة أن ولاية الفقيه كولاية الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنه معيَّن من قِبل الإمام الغائب، ورضخ الرئيس علي خامنئي للأمر، مع أن علي خامنئي سيصبح بعد وفاة الخوميني هو المرشد للثورة، وتنتقل العصمة إليه بذلك، وعندها لن يُقبل أي تعقيب لحكمه!
ثم إننا رأينا الإصلاحيين في منصب رئيس الجمهورية، فقد حكم محمد خاتمي من سنة 1997م إلى سنة 2005م، فهل رأينا جديدًا؟!
وهل إيران تحت حكم الإصلاحيين تختلف عنها تحت حكم المحافظين؟ أم أن الأمر في النهاية في يد شخص واحد هو القائد المرشد؟!
ثم إننا نقول أيضًا أن الإصلاحيين والمحافظين لا يمثلون أحزابًا منفصلة في إيران، وليست هناك مؤسسات تضمن توجُّه رئيس معين؛ فأحمدي نجاد لا يمثل إلا نفسه في الانتخابات، وكذلك مير حسين موسوي الإصلاحي، وليس الأمر كما هو في أمريكا مثلاً، عندما يمثل أوباما برنامج الديمقراطيين، في حين يمثل ماكين برنامج الجمهوريين.. إن الأمر أبسط من ذلك بكثير في إيران؛ لأنه مجرد تمثيلية لا وزن لها.
وحتى عندما قامت الصراعات بين المرشحين في شوارع إيران، وتبادلوا الاتهامات في وسائل الإعلام، فإن القيادة الدينية سكتت عن ذلك، وكان هذا السكوت متعمدًا، وقد علَّق على ذلك الخاسر مير حسين موسوي بقوله: "كل السبل للحصول على الحقوق مغلقة، وإن الشعب الإيراني يواجه صمت رجال الدين المهمين
وأضاف أيضًا أن هذا الصمت أخطر من التزوير.
لقد صمت رجال الدين ليظهر الصراع وكأن صراع على منصب مهم جدًّا، وليبرزوا الديمقراطية في البلاد، ووجود تيارين، وترجيح كفة على كفة بواسطة الشعب، بينما الأمر كله في النهاية لا يعدو أن يكون مسرحية سيقوم الشعب فيها باختيار الممثِّل الذي يؤدي ما يكتبه مؤلف السيناريو قائد الثورة!
لقد صمت رجال الدين ليظهر الصراع وكأن صراع على منصب مهم جدًّا، وليبرزوا الديمقراطية في البلاد، ووجود تيارين، وترجيح كفة على كفة بواسطة الشعب، بينما الأمر كله في النهاية لا يعدو أن يكون مسرحية سيقوم الشعب فيها باختيار الممثِّل الذي يؤدي ما يكتبه مؤلف السيناريو قائد الثورة!
والمصيبة بعد كل ذلك أن هذا القائد المرشد لا يحكم بالقرآن والسُّنَّة، إنما يرسِّخ انحرافًا عقائديًّا خطيرًا، ويحكم بتفويض من الإمام الغائب الذي دخل السرداب، ويحرِّك الدولة بكاملها وفق الهوى الشخصي الذي لا يجوز الاعتراض عليه!
وإذا كان الأمر كذلك فلماذا ننبهر بهذه الأوضاع المأساوية؟! ولماذا نرى بعض الكُتَّاب - وأحيانًا من الإسلاميين - يعتبرون إيران نموذجًا يجب أن يُحتذى؟!

إننا ننبهر لعدة أسباب..
منها أننا لا نعرف كل هذه الحقائق في الدستور الإيراني، وفي نظام الحكم هناك، وفي علاقة المرشد برئيس الجمهورية، ومن ثَمَّ فنحن نحكم بعاطفتنا لا بعقلنا، ونميل مع أي إنسان رفع راية الإسلام، ولو كان محرِّفًا مبدلاً.
ومنها أننا لا نعرف الإسلام الحقيقي الذي يسمح للمسلمين أن يعترضوا على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، بل إنه كان يسمح بمناقشة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمور التي ليس فيها وحي.
ومنها أننا نعاني في البلاد العربية من حكم دكتاتوري قهري، ومن تزوير فاضح في الانتخابات، ومن فساد كبير في كل القطاعات، ومن ثَم فنحن نبحث عن نموذج ناجح ولو بصورة ضئيلة، ونتغاضى عن كثير من السلبيات، ونغضُّ الطرف عنها، لنقول في النهاية: الحمد لله، هناك دولة إسلامية تطبِّق الشورى!!
ومنها أننا لا نتابع المخاطر التي تتعرض لها العراق والبحرين والسعودية وسوريا ومصر ولبنان، بل والسُّنَّة في إيران نفسها من جرّاء تولي السلطة لمرشد يؤمن بمبدأ ولاية الفقيه، ويعتقد أن السنة في العالَم مفرطون في الدين، وإن الإمام الغائب قد فوَّضه لتصحيح أوضاع الدنيا لكي تستقبل الإمام المهدي عند عودته!
ومنها أننا نعاني من ظلم أمريكا واليهود، ونفرح إذا تكلم في حقهما أحد، ولا نهتم بمتابعة الأحداث، ولا بقراءة التاريخ، لنعرف أن احتماليات هجوم إيران على إسرائيل لتحرير فلسطين تساوي صفرًا!
إننا - أيها المسلمون - نحتاج أن نبني أمتنا على قواعد سليمة، وأسس صحيحة، ولا يكون هذا في منهج شرقي أو غربي، ولا في مبادئ شيعية أو خوارج، إنما في قرآن وسُنَّة، وعودة إلى الأصول، ودراسة لمنهج الرسول صلى الله عليه وسلم في التغيير، وكذلك مناهج الصالحين في تاريخ أمتنا، وما أكثرهم!
أما الانبهار بالمنحرفين فهذا ليس من شيم الصالحين، وأسأل الله عز وجل أن يُعِزَّ الإسلام والمسلمين.

تجديد المفاتيح بشكل دائم ومستمر باذن الله تعالى